حينما طرقت، في مرات عدة، موضوع التجنيس غير القانوني "تجنيس العرب والعجم والآسيويين من مختلف الأعراق والأديان والمذاهب" وتحدثت عن آثار التجنيس غير القانوني. .. وعلى رغم أن الحديث في تلك المرات كان عن التجنيس غير القانوني فإن البعض أراد أن ينحو بموضوعاتي ناحية الشيفونية والتطرف الوطني حتى قال قائلهم: إن الكاتب لديه مغالاة في الوطنية وحب الوطن! في الحقيقة فإنني مجبر في استخدام مصطلح المجنسين ولست احبذه، وأنا أعني من حازوا الجنسية البحرينية بطريق غير قانوني. مشكلات المجنسين بطريق غير قانوني لا يشعر بها من يكتب من شرفة فلته الفاخرة، ولا يشعر بها من يكتب وهو "وعياله" في بحبوحة من العيش، فإن هؤلاء أولوياتهم تختلف عن من يعيش مع هؤلاء المتجنسين، وخصوصا من يسكن منهم في الأحياء القديمة من مدن وقرى البحرين "المحرق، الرفاع، الحد، قلالي والبديع" أي بعبارة أخرى في المناطق السنية الصرفة. جميع الإخوة العرب والمسلمين وغيرهم مقدرون وكرامتهم مصونة، سواء ممن حازوا الجنسية البحرينية أو ممن احتفظوا بجنسيات بلدانهم الأصلية، سواء من أجل جامع العروبة والدين أو الإنسانية، وهذا ما هو متأصل في البحرينيين جميعا. فالبحريني معروف عنه "الطيبة" والأخلاق الكريمة والضيافة... وعلى هذا الأساس يفخر البحرينيون بانتمائهم لوطنهم. إن ما حدث أمامي في مركز شرطة محافظة المحرق يحتاج إلى عناية وتدبر من المسئولين في وزارة الداخلية وعلى رأسهم الوزير الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة، حيث بعد وقوع مشاجرة بين أحد المواطنين البحرينيين من أهل المحرق مع أحد الدخلاء على المحرق والغريبة طبائعه عن البحرينيين، وبعد تسجيل إفادات الخصوم من أحد الشرطة الأجانب، إذ إن نسبة الأجانب من أفراد الشرطة العاملين في مركز المحرق تفوق 90 في المئة، قام الخصم غير البحريني باستجلاب شاهد آسيوي وتم تسجيل إفادة الشاهد أمام الخصم الذي راح يملي على الشرطي المحقق أقواله بدلا من الشاهد! والمحقق هو أيضا غير بحريني... و"كل غريب للغريب نسيب"! والسؤال: هل هذا التصرف قانوني يا إدارة شرطة المحرق؟ ولكن الكرة الآن انتقلت إلى ملعب النيابة العامة، ونحن سننتظر ما تتمخض عنه التحقيقات وتكييف القضية من النيابة وتحويلها إلى القضاء. إن مفاخرة البحرينيين بانتمائهم في الخارج إنما لما عرف عنهم من طيبة وتسامح وحب مساعدة الزوار والضيوف، أما ما يقوم به هؤلاء من إساءة للبحرين والبحرينيين فإنه مدعاة للوقوف بحزم من قبل السلطات، وسحب جنسية من يثبت تورطه في قضايا السلوك والإساءة للبحرينيين... وعلى النواب مراقبة تفعيل الجهات الرسمية لهذا الأمر، إذ لم نسمع أو نقرأ عن سحب جنسية أي من هؤلاء على رغم كثرة المشكلات التي يسببها البعض منهم! بعض الكتاب لا يشعرون بما يعانيه أهالي الفرجان والأحياء السكنية الفقيرة، وفي المحرق على وجه الأخص، يكتبون ويتحدثون ويروجون لرسائل باتت مفضوحة وممجوجة لدى الناس، من أن تجنيس هؤلاء إنما هو لعمل موازنة في التركيبة السكانية وغيرها من هرطقات أثبت الواقع انها من أجل تخريب التركيبة وخلق فراغات وهوات واسعة وسحيقة بين قوى المجتمع، ظهرت بعض آثارها، والباقي أدهى وأمر على رؤوس ونفوس البحرينيين "الغلابة". ويستند هؤلاء في دفاعهم عن عملية التجنيس غير القانوني إلى حجج طائفية واهية، من مثل إن الطائفة الشيعية ستلتهم الطائفة السنية؛ في حين ان الواقع ومعاناة أهالي المناطق التي يسكنها هؤلاء ينقض دفوعهم تلك، إذ يعاني أهل السنة والجماعة من التجنيس غير القانوني، ومن مشكلات اجتماعية متعددة ليس ما ذكرناه في صدر المقال إلا غيض من فيض ونقطة في بحر؛ إذ ما فائدة تغيير التركيبة في حين يئن غالبية أبناء البلاد، وأهل السنة والجماعة خصوصا، من الفقر والبطالة وأزمة الإسكان والمشكلات الاجتماعية الأخرى، وذلك ما سيتمخض عنه تيار متنام يقوم على كره الأجانب، والمتجنسين بطريق قانوني وغير قانوني، وبعد ذلك لا ينفع الندم ولا التبريرات الواهية. ولقد بات واضحا ان الواقع الذي تسعى إليه بعض الدوائر الرسمية هو خلخلة التماسك بين المواطنين في عملية اشبه بعملية "فرق تسد" الاستعمارية. وإلا فإن المواطنين سواسية في الدستور والقانون، سواء أكانوا شيعة أو سنة من أصول عربية أو أجنبية. وبدلا من قيام الدولة بتطبيق مبدأ المواطنة يتم حشر الناس وتجنيدهم للتخندق كل بحسب طائفته! يساعدها في ذلك القوى المجتمعية المتخلفة التي ما برحت تناضل باسم حقوق الطائفة والمظلومية ونداءات المحرومين... صراع متخلف، يستثمره البعض من أجل الحصول على المكاسب من الصراعات المتخلفة في المجتمع. لسنا ضد التجنيس القانوني، بل إنني أمقت كلمة "المجنسين" فهؤلاء لهم حقوق طالما اكتسبوا الجنسية عن طريق قانوني؛ بل ويجب إدماجهم في المجتمع البحريني... وكتبتها من قبل بأن الجواز البحريني ليس جوازا لدخول الجنة، فالجنسية بحسب قانون الجنسية البحريني حق لكل عربي أقام في البلاد لمدة 15 عاما ولكل أجنبي أقام في البلاد 25 عاما أو لكل من قدم خدمات جليلة للوطن. وأن يكون حسن السيرة والسلوك. ولكن أن يتم تجنيس كل "من هب ودب" وكأن البلد ليس بها شعب، وكأن البلد لا يوجد بها عاطلون عن العمل، ولا تعاني من أزمة إسكان ولا تعاني من الفقر... والغريب في أمر التجنيس انه لا يتم تجنيس العمانيين ممن قضوا فترات تفوق كثيرا المدة القانونية للحصول على الجنسية، مع العلم ان أبناء مجلس التعاون الخليجي "وخصوصا منهم أهل عمان" هم الأقرب لعادات وتقاليد أهل البلد ومع ذلك لا يتم تجنيسهم! لماذا؟ إن التجنيس غير القانوني هو ما أوقعنا حاليا وما سيوقعنا مستقبلا في مشكلات لا تعد ولا تحصى... وبعد ذلك لن ينفع البكاء على اللبن المسكوب وعض اصبع الندم!
إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"العدد 1164 - السبت 12 نوفمبر 2005م الموافق 10 شوال 1426هـ