لكل حراك سياسي محركاته التي تتفاوت قوتها من محرك إلى آخر، ومسيرة الأربعاء التي خرجت حاملة شعار "لا لتقنين الأحوال الشخصية إلا بضامنة دستورية" كانت لها دلالات عدة، ولعل أكثر تلك الدلالات بيانا ووضوحا هي أن "الدين" هو المحرك الأكبر بين تلك المحركات السياسية وإن كان تعدادها يفوق الخمسة عشر تيارا سياسيا إذا ما تمت مقارنة ذلك بعدد الجمعيات السياسية العامل منها والخامل. لم تكن لغة الأرقام لغة موفقة في التقليل من شأن حدث الأربعاء، وإن استخدمتها بعض المشارب السياسية، التي حاولت إزالة صفر من أمام الرقم الذي أعلنه المنظمون، وحتى الجهات الرسمية التي كانت تحرص على استخدام سلاح الأرقام وكمشها للتقليل من شأن مسيرات سابقة، آثرت هذه المرة عدم اللعب على هذا الوتر، والرهان عليه لأنه رهان خاسر، بحسب قناعتها، وهذا ما جعلها تبدي "مرونة" في خطابها الذي عادة ما يكون على غير ذلك في أكثر من حدث مشابه، ومن هنا جاء بيان وزارة الشئون الإسلامية "إيجابيا" يدل على إقرار رسمي بحجم الحدث. الصبغة الدينية التي هيمنت على مسيرة الأربعاء، لم تمنع من إعطائها طابعا سياسيا يقرأه المراقب بجلاء فاضح، إذ لا يمكن الفصل بين "التخاطب الديني" الذي استطاع حشد عشرات الآلاف، وبين "قادة ذلك الخطاب"، ولعل ذلك من أوضح الواضحات التي تلزم المراقبين بالتوقف عندها لتجد إجابة على سؤال سأله الكثيرون، وهو: هل أن الحشد ذاته كان سيحتشد، لو كان الداعون إلى المسيرة غير الداعين إليها؟ ليست التوازنات بين الحكومة والمعارضة هي التي يحسب لها الساسة ألف حساب، وإنما التوازنات بين قوى المعارضة نفسها أيضا محل حسابات وتأن وتبصر وتدقيق، وإذا كانت السياسية ترتكز على أساسات واقعية لا تعترف بالخيال، فإن المساحة الشعبية التي يهيمن عليها التيار الديني مساحة شاسعة يجب تقييم التوازنات السياسية على أساسها. التعتيم الإعلامي التي قامت فيه بعض القنوات الإعلامية خصوصا المقروءة منها، لم تستخدمه الحكومة في لغتها، ولم تتعاط معه كواقع، وكونها "اللاعب الأهم" في اللعبة السياسية كانت تقرأ الحدث بعين مفتوحة، وإن أغمضت بعض الصحف عيونها كاملة عن الحدث، وإذا استمرت واقعية الحكومة في النظرة إلى مسيرة الأربعاء فلن تعدو منظميها في أي حوار تفتحه، وأي اتصال تباشره مع القوى السياسية ذات الوقع المؤثر على الساحة وجمهورها.
إقرأ أيضا لـ "عقيل ميرزا"العدد 1164 - السبت 12 نوفمبر 2005م الموافق 10 شوال 1426هـ