العدد 1161 - الأربعاء 09 نوفمبر 2005م الموافق 07 شوال 1426هـ

حينها تسقط الأحوال والسياسة!

عندما تنهض المساجد والعمائم ضد فاقدي الكياسة...

عادل مرزوق Adel.Marzooq [at] alwasatnews.com

-

لم تكن جماهير "احتشاد تظاهرة السيف" جماهير دينية فقط، ثمة زوايا أخرى لهذا الحشد الجماهيري التاريخي سواء على المستوى البحريني أو الخليجي ككل، ولي شخصيا، عبر ارتكازية أن الدين هو جزء من السياسة في التجارب السياسية العربية ولا يمكن فصله، فمن السذاجة أن أتصور هذا الحشد "حشدا دينيا" فقط، من دون أن تكون له دلالات سياسية كبرى. ومع أن العنوان الرئيسي لهذه الفعالية كان "الانتصار لله" و"الانتصار للإسلام"، فالملاحظ أنها كانت تحمل معها "رمزيا" ملفات سياسية كثيرة، كانت ومازالت "هذه الملفات" عصية على الحل والتحليل والتنبؤ: "التعديلات الدستورية"، "الاعتداء على السواحل"، "ملكيات الأراضي"، "ضحايا التعذيب"، عبارات قرأت هنا أو هناك، أو أعلن عنها كملفات مكملة للتظاهرة، لنا أن نحاول الفصل بألف ذريعة وذريعة، إلا أننا ببساطة، لا نحلها، بقدر ما نعقدها، لا مجال لفصل الدين عن السياسة في البحرين، نتيجة للتاريخ وحسب. التظاهر بوصفه "واجبا شرعيا"، "حفظا لحكم الله"، "تأكيدا لإسلامية البحرين"... هكذا روج "المجلس العلمائي" لمظاهرته، وهكذا يستطيع أن يروج لما يريد من تظاهرات في أي ملف من الملفات السياسية، فالله والدين يقترنان بجميع فعالياتنا السياسية وأزماتنا التاريخية. ليست "الوفاق" من كانت تنظم أو تملك الخيار السياسي يوم الأربعاء الماضي لعموم المتظاهرين، وإن كان الأمر "محزنا" أن تفلت السياسة من غرف السياسة لساحات المساجد، إلا أنها ليست مصيبة، وليست نهاية المطاف، هذا مشروط طبعا بأن تقتنع "الحكومة" وأن تقنع "مسوقيها المغمورين في الإعلام البحريني" بألا ينتجوا خطابا تقليديا لا مسئولا... تنقل "هذه الخطابات المتوترة وغير المسئولة" المواطن البحريني من التخيير في تجاذبات السياسة إلى إجباره بفتاوى المساجد القاطعة.

إنهم لا يعرفون النهاية!

علينا جميعا - من دون استثناء - أن نعترف بأننا أنتجنا قناعاتنا "أوهامنا" المبالغة في انحسار القوة الشعبية للتيار الديني الخالص من المساجد ودور العبادة، وأننا أصبحنا مجتمع مؤسسات مدنية. الحقيقة القارة هي أن الحكومة مازالت عاجزة عن أن تكون مؤسسة مدنية، والشارع لا تجمعه المؤسسات السياسية بقدر ما تجمعه الفتاوى والوعود بالجنة، المجتمع البحريني مازال بعيدا أن يكون مجتمع مؤسسات، وليس لقوة من هاتين القوتين ميزة على الأخرى، أختك مثلك! كانت مجمل خطاباتنا تقلل من قوة هذه القوة الاجتماعية، إلا أن ما حدث في الأربعاء التاريخي يجعلنا نعيد ترتيب الأوراق، وأن نوجه النصح لساستنا بألا يبالغوا في الأمل، فالمواطن البحريني أصبح لا يصدق إلا "مواطنته في الآخرة". قدر ما خذلت الحكومة والجمعيات المعارضة الإنسان البحريني بكثرة الوعود من التطور والنماء وحلحلة مشكلاته التاريخية، فلقد صنعت منه هذه الوعود إنسانا فاقدا للأمل، أمله الوحيد هو الجنة! لذلك لا غرابة أن يحتشد الجمهور البحريني في "احتشاد الأربعاء" بهذه الضخامة، ولن يحاسب المسئولون عن الاحتشاد على أي وعود قدموها، فنصرة الدين ثمنها في الآخرة رضوان الله، ولا يقدم رجل الدين للمؤمنين وعودا ملموسة بقدر ما يعدهم بالنصرة لله ولدينه. إذا كانت "الوفاق" هي أكبر مؤسسة سياسية ممثلة للتيار الديني الشيعي، فإنه من الواجب أن تتفهم الحكومة هذه الحقيقة وأن تتعامل معها بواقعية، ولا يمكن أن تستمر الحكومة في مقاطعتها لـ "الوفاق" ورموزها، ولا يمكن القبول بمواصلتها التكبر والممانعة في إعادة فتح باب الحوار مع الجمعيات السياسية، المعارضة ليست في حقيقتها معارضة التسعينات بشراستها، لكنها ليست اليوم لينة العظم حد الكسر! فمتى أرادت أن توجه رسائل صارمة فهي قادرة على فعل ذلك.

ارتكازية الأربعاء

لم تكن جماهير الأربعاء ترتكز على أي من الدساتير البحرينية سواء القديم منها "73" أو الجديد "2002"، ولم تكن تهتف خلف قانون من قوانين المجتمع، كانت نقطة الارتكاز هي الإسلام وعلماء الدين. والسؤال هو ببساطة: لماذا؟ ونجيب على هذا السؤال عبر النقاط الآتية: أولا: لم تعد المؤسسات السياسية تمتلك الصدقية، وبقي الدين هو الصادق الوحيد. الوعود الحكومية أصبحت تاريخية، والجمعيات المعارضة مازالت تتراشق وتتناحر: هل كان خيار مقاطعتها للانتخابات خيارا صالحا أم طالحا؟ ثانيا: لم يتضح لهذه الجماهير ولعلماء الدين أن أيا من الجمعيات السياسية ذات الأيديولوجيا الدينية تمتلك رؤية سياسية متكاملة، هذا الفراغ السياسي فتح الباب أمام رجال الدين ليكونوا ساسة يتقدمون بتنظيمهم الشخصي أضخم تظاهرة سياسية بحرينية. ثالثا: لم تعد الأجواء السياسية في البحرين صحية، فالحكومة - متعمدة - تحاول مضايقة الشارع السياسي بمشروع تلو الآخر، وعلى المعارضة - كما يذهب البعض - أن تقبل كل يوم باللعب مع الحكومة والتضحية، وصولا يوما ما للعب مع الحكومة وهم في توابيت "أموات". من القبول بقانون الجمعيات والانضواء تحت مظلته، والقبول ضمنا بالمشاركة في الانتخابات المقبلة، تأجيل ملفات "ضحايا التعذيب"، "العاطلين عن العمل". الحكومة واقفة جامدة الحراك، ثم تأتي الحكومة لتختار التوقيت الخاطئ والطرق الترويجية الفاشلة لتروج أو تجبر المعارضة على القبول بقانون تقنين الأحكام الأسرية! وعلى رغم أننا نقف مع القانون فإننا لابد أن نحترم رغبات هذه الشريحة الاجتماعية الكبرى، وهذه ضريبة الديمقراطية، إما أن نقبل بها، أو ببساطة ألا نتشدق بها. أخيرا، عوض أن تتقدم الحكومة للمعارضة بمبادرة محبة وإخاء على ما تنازلت عنه المعارضة لصالح الحكومة بضريبة تمزيق صفوفها، ها هي الحكومة تثير المعارضة عبر خطاب لا يتوافق في مجمله مع مقتضيات المرحلة الإصلاحية التي يرعاها جلالة الملك، فكأنما ثمة برامكة يعبثون هنا وهناك من أجل التخريب.

سياسة الفتيا!

إذا ما استمرت الحال السياسية في البحرين متأزمة على ما هي عليه اليوم، فقريبا تنتهي المسرحيات السياسية لتظهر الحلول الدينية الخالصة "الفتيا"، والحكومة ليس من مصلحتها أن تتحاور - إن ارادت الحوار - في المساجد. وكلنا يعلم خطورة أن تنتقل الملفات السياسية من الجمعيات السياسية والمجلس التشريعي بغرفتيه إلى ساحات المساجد وخطب الجمعة. الحكومة - بلا شك - عبر ممثليها في الآونة الأخيرة هي من تتحمل المسئولية، ولا غرابة في أن نكرر ألف مرة: هناك وجوه سياسية حكومية مستهلكة لابد من إبعادها، وهناك وجوه أخرى استملكت من المناصب السياسية وعضويات اللجان ما لا يعد ويحصى، وكأنهم ساسة خارقون، أو بدع سياسية تاريخية، فكيف لهؤلاء أصحاب عشرات المناصب أن ينجحوا! فلتصنع الحكومة لها وجوها سياسية جديدة، على الأقل هناك طوابير من أعضاء مؤسساتنا الحقوقية والإعلامية تتملق كل يوم للسلطة أملا في منصب ما، فلتجبهم الحكومة، لعل الله يحدث أمرا؟

كيف نقرأهم؟

كيف نقرأ هذا الاصطفاف السياسي الديني قرب مجمع السيف؟ وما الذي نستفيده حين نتأكد من قدرة التيار الديني الشيعي على صناعة حوادث سياسية جماهيرية بهذه القوة؟ لابد أن حدثا بهذه الضخامة يستحق منا التمهل، وإعادة قراءاتنا السياسية بتمعن وواقعية. لابد لجميع منظوماتنا السياسية الاجتماعية أن تقرأ هذا الحدث بما يستحق من اهتمام، ولابد ألا ننزلق نحو التضخيم الزائد أو التهميش المعتاد كما ستذهب بعض صحفنا المحلية، شاء البعض أم كره. إن دلالات مسيرة الأربعاء دلالات سياسية تذهب إلى أن الثلاثي الديني "قاسم، الغريفي، الوداعي" مضافا له "النجاتي" يمثل قوة سياسية لا يستهان بها، وعلى الجميع "السلطة التنفيذية، السلطة الإعلامية، السلطة التشريعية" أن يدركوا تمام الإدراك أن ثمة قوى ضغط خارجية عن المؤسساتية المدنية البحرينية تستطيع أن تقلب الطاولة على الجميع في أي وقت شاءت

إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"

العدد 1161 - الأربعاء 09 نوفمبر 2005م الموافق 07 شوال 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً