عندما طرحت وزارة الداخلية مشروع شرطة المجتمع وإلى الآن لم نر ونسمع عنه إلا كل خير، بل سمعنا الكثير ونعذرهم في كوننا لم نر منهم إلا القليل بحكم عامل الوقت، ولكن ما استدعاني إلى كتابة موضوعي اليوم عن شرطة المجتمع أو الشرطة المجتمعية لا أعلم، هو ما لمسته من ارتياح نسبي وأنا أراهم ببزاتهم الجديدة الجميلة يجوبون احد الأنشطة ذا الطابع الجماهيري في أواخر شهر رمضان الكريم، وما لمسته منهم فعلا وأنا أراقبهم بتمعن من معاملة لطيفة تنمي عن كونهم درسوا وتثقفوا شيئا يخص التعامل مع الناس، وبأنهم يتعاملون مع الناس على أنهم بشر!
ففطرة أبناء الدول أن يظل أولياء الأمور يزرعون حب الوطن عند أبنائهم وإحدى هذه الطرق هي أن نزرع حب التضحية والفداء والخدمة للوطن عن طريق الدراسة والتعلم والوصول إلى وظائف من شأنها أن تقدم الكثير لوطنك من خلالها كأن تكون مدرسا أو مهندسا أو طيارا أو رجل شرطة، ولكن ما هو حاصل أننا لا نشجع أبناءنا حتى على التمني بأن يكونوا رجال شرطة لماذا يا ترى؟!
في المهرجان نفسه وأنا أتتبع تصرفات هؤلاء الشرطة المجتمعية وأرى كيف يتقبل المواطنون تعليماتهم والحديث إليهم بل كيف يحترمهم كونهم يشتركون في أشياء كثيرة أكبرها قاسم الجنسية واللغة والطريقة اللبقة المهذبة المحترمة في التعامل والتي لا تخلو من «لو سمحت»، «إذا ما عليك أمر» ناهيك عن آداب الحوار مع من هم أكبر منهم وكبار السن، على غير شرطتنا السابقة التي لربما يمكن أن نطلق عليهم الشرطة التقليدية الذين وبسبب كونهم غير مواطنين على رغم تجنيس غالبيتهم فعندما تحتاج إليه «لا هو إللي يفهم عليك ولا أنت الذي تفهم عليه»! بل إنه ينتابك إحساس بأنك مجرم بمجرد وقوفك أمام هذا الشرطي التقليدي كما اصطلحنا عليه وطريقته الصلفة في التعامل... وفي النهاية لا تستفيد منه ولا من سؤاله! وطبيعة كونهم أغراب فتراهم يمشون على هيئة جماعات ولا كأنهم على الدوام الرسمي، فحتى الهيبة تراها متجلية في الشرطي المجتمعي على عكس أخينا هذا الذي يمشي وكأنه في إحدى ضواحي بومبي... ذاك الشرطي المجتمعي تراه نظيفا لباسه «مكوي» غير أخينا هذا المتعود على لباس شعبي وتجبره على لبس بدلة لا يعرف حتى المشي بها.
كثيرة هي الملاحظات، ولا يسعنا هنا ذكرها، ولكن السؤال الذي لطالما ظل يحيرني ولم أجد له جوابا مقنعا إلى الآن... على رغم تخلف رجال الشرطة القدامى (الأجانب على وجه الخصوص) على جميع المستويات التي تصل حتى إلى الأمية في القراءة والكتابة وهي ليست بمبالغة، وبعد بناء جزء من جدار الثقة الذي كشف فيه أبناؤنا عن كفاءتهم في العمل في مجال الأمن، فما المانع من أن تتخلص وزارة الداخلية من هذه الحشود الغفيرة من تلك الشرطة الذين يمكن اعتبارهم بطالة مقنعة وعبارة عن هدر للموازنة يمكن أن تصرفها في مجالات تدريب الموجودين وتوظيف كفاءات أفضل منهم حتى تتمكن الوزارة من الدخول والتعامل مع التكنولوجيا بدلا من تلك المحاضر والإفادات المكتوبة باليد وبصياغاتها الركيكة، ولن يكون القطاع الخاص أفضل منهم في هذا المجال حيث البقاء للأفضل.
متى ندخل مركز الشرطة لأداء أية معاملة ونشم رائحة البخور بدلا من روائح أعقاب السجائر والبصل والثوم والبهارات الهندية، ونرى المكاتب المعقولة المستوى وطاولات وكراسي نظيفة في الاستقبال المعدة للاستقبال أصلا بدلا من الكراسي المتسخة والمكسرة والمحروقة بأعقاب السجائر وغير الصالحة للاستخدام فما بالك بالضيوف! ومتى نرى الأرضيات نظيفة وغير ملطخة بالسواد من قلة التنظيف.
لتتجه وزارة الداخلية إلى تعديل واجهتها من خلال مراكز الشرطة، لأنه ليس بالضرورة أن يكون أي زائر للمركز حراميا أو مجرما بل لربما يريد إفادة بضياع بطاقته السكانية مثلا... فما ذنبه لتتم معاملته والحرامي بالدرجة نفسها!
إضاءة
قانون الأحوال الشخصية شائك... والتعامل معه بطريقة الحملات الإعلانية وكأنك داخل انتخابات لا يفيد... فالأجدى أن يتم التعامل معه بشكل عقلاني... فنحن فقدنا الكثير ولا يمكننا أن نخسر هويتنا وهي ما تبقى لنا!
إقرأ أيضا لـ "حمد الغائب"العدد 1160 - الثلثاء 08 نوفمبر 2005م الموافق 06 شوال 1426هـ