التعامل البطيء والهادئ مع حوادث الشغب التي تشهدها فرنسا لليوم العاشر على التوالي تثير الكثير من التساؤلات والاستغراب. فمن غير المعقول أن تعجز سلطات الأمن في واحدة من اكبر العواصم الأوروبية عن السيطرة على تلك الأعمال التخريبية، وكثافة التقارير التي ترد بهذا الشأن تترك للمرء انطباعا بأن هناك جهات سياسية في فرنسا تترك الحبل على الغارب لاستغلال الوضع الراهن لتمرير أهداف وخطط تريد أن تحققها وقد تطال المهاجرين بالطبع.
حوادث العنف هذه التي لم تكشف السلطات الفرنسية أو بالأصح لا تريد أن تكشف عن الجهة التي تقف وراءها أو خططت لها تبدو غير ذات هدف سوى التخريب والتدمير فهي لم تطلق شعارات أو مطالب معينة كما لم تبرز أية جماعة أو كيان يتبنى هذه الأعمال التي في الحقيقة لن تخدم أية محاولة مطلبية كانت أم احتجاجية فالعالم شهد كثيرا من ثورات الاحتجاج والتظاهرات المنظمة وغير المنظمة لكن ما يجري في فرنسا هذه الأيام غريب وغير مقنع.
نعم شهدت أحياء باريس أخيرا عمليات حرائق قاتلة في المناطق التي يقطنها مهاجرون وقد تكون وراءها جماعات اليمين المتطرف وليس هناك ما يشير إلى أن الحوادث الحالية على علاقة بتلك أو رد فعل لها.
بالنظر إلى التحليلات الفرنسية نجد أن مدير مركز تدريب العاملين في مجال خدمة المجتمع بضاحية إيسون الباريسية عمار هيني وهو لديه معرفة عميقة بأحياء الأقليات المعزولة المضطربة التي تحيط بالعاصمة الفرنسية حذر من أن «المستقبل القريب يحمل قنبلة موقوته توشك أن تنفجر.. وذلك عندما يرفض الجميع وليس الشباب وحدهم المزيد من الأوضاع السيئة والمهينة».
كما وصف الصحافي جوناثان فينبي في كتابه «على حافة الهاوية» الذي نشره قبل سبعة أعوام هذه الضواحي بأنها «بؤرة الاهتمام بالنسبة لشكل جديد من المجتمع الذي يرفض الديناميكية التكاملية التقليدية لفرنسا والتي تخيف هؤلاء الذين يحبون أن يعيش كل شخص وفق نفس القواعد والقوانين بأسلوب منظم».
اعترفت السلطات الفرنسية المحلية عقب الحرائق المتكررة بأن الأوضاع التي يعيشها المهاجرون مزرية فهل العنف الراهن نتاج لذلك؟ أم أن هناك من يتربص بالمهاجرين ويستغلهم لتمرير قوانين متشددة تتعلق بالإرهاب والدين في فرنسا؟
إقرأ أيضا لـ "ابراهيم خالد"العدد 1158 - الأحد 06 نوفمبر 2005م الموافق 04 شوال 1426هـ