العدد 1158 - الأحد 06 نوفمبر 2005م الموافق 04 شوال 1426هـ

تدفق المعلومات الخارجية في الصحافة البحرينية... «الوسط» مثالاً

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

تمثل مسألة تدفق الأخبار الخارجية في الصحافة العربية موضوعاً مهماً باعتبار أنها تعطي مؤشرات معينة نستطيع من خلالها وضع اليد على المجسات المختلفة فيما يتعلق بمصادر تلك الأخبار وأهدافها المستنتجة من خلال مراقبة الصياغة المسبقة أو المؤدلجة لها.

وبعيداً عن استجلاب الماضي والاستقواء به لتمرير مشروعات مسمية وإسقاطها على حاضرنا، تبقى الصحافة العربية رهينة لعدد هائل من المعلومات أو الأخبار المتدفقة إليها من دول الشمال، كما تجب الإشارة أيضاً إلى أن الأخبار التي نقرأها أو نجدها من مصادر تلك الدول قد تكون في شكلها العام ذات توليفة بريئة تتوخى الحيادية والموضوعية، لكن بالرجوع إلى ما ورائياتها يفضي بنا إلى أن أصولها ذات بنية شمالية مؤدلجة أو مصدرة من هناك بمسبقات فكرية في أحسن الأحوال، وهو ما يعني أن تلك المصادر من الوكالات والمنظمات وغيرها مازالت هي المحتكر الأول للمعلومة والخبر، وهو احتكار متأصل نتيجة الكفاءة التي تتمتع بها تلك الوكالات، الأمر الذي جعلها تستحصل تلك النوعية من الأخبار وبالتالي صيرورتها كجهة احتكارية، فليس سراً أن نعرف أن وكالة «رويترز» وحدها (مثلاً) كانت تمتلك أكثر من مئة وخمسين مراسلاً في أفغانستان وحدها إبان الحرب بين الولايات المتحدة الأميركية وحركة طالبان، وهم مجهزون بأهم وأحدث التقنيات الالكترونية التي يستطيعون من خلالها الوصول إلى المصدر وإلى المركز في أسرع وقت ممكن وبوسائل شتى، وكانوا يتقاضون رواتب فلكية تقدر بربع مليون دولار سنوياً.

إن الدول العربية يجب عليها أن تعلم بأن الوصول إلى معادلة جديدة وتغيير أصول اللعبة القائمة يتطلب منها جهداً خرافياً، يبدأ بزيادة المخصصات المالية ويمتد إلى تحديث إمكانات الاتصال، وينتهي إلى تدريب الكوادر الإعلامية التي تستطيع أن تتعامل مع الحوادث بحرفية ومهنية، من دون الوقوف بحيادية تجاه قضايا الأمة والمجتمعات المغلوب على أمرها، لأن مخالفة ذلك يعني الانتصار الأعمى للشعار من دون الأخذ بالمصالح العليا التي تكيف دفة الاتجاهات، وفي ذلك تماثل واضح لما تقوم به وكالات الأنباء الغربية وبعض وسائل الإعلام.

كما ينبغي على الأنظمة العربية أن تشجع التعليم النوعي وتسهل الوسائل والآليات للوصول إلى المعلومة بسهولة ويسر، وتزيح كل المعوقات أمام الإبداع، وأهمها القبضات الأمنية والشكاية، لأن ذلك من شأنه أن يغيب قدراً أكبر من الإبداع لدى الطبقة الوسطى في العالم العربي، الذي يبدع علماؤه ومفكروه عندما تستقبلهم البيئات المهيأة التي تشجعه وترفده بكل ما هو متاح وممكن.

ونحن في هذه الدراسة المقتضبة التي أجريناها على واحدة من الصحف المحلية (صحيفة الوسط) فيما يتعلق بتدفق المعلومات الخارجية، فقد توصلنا إلى الكثير من النقاط المهمة والتي نعتبرها مدخلات محورية لمعرفة اتجاهات الكثير من قضايا الإعلام، وكيفية تعاطي الصحافة المحلية مع المعلومة وطريقة توظيفها والنسبية الخاصة بصدقيتها كخبر.

وفي هذا الإطار تسعى الدراسة إلى:

1- رصد وتتبع الأخبار الواردة من عوالم محددة تم ذكرها في الجداول المرقمة .

2- رصد وتحديد مصادر الأنباء من قبيل الوكالات العالمية المعروفة (رويترز، أ. ف. ب... إلخ) أو المراسل الخاص أو تلك التي لا تذيل بمصدر.

3- تحديد معدلات التكرار لعدد من العناوين كالعلاقات الخارجية والسياسة الداخلية والصراع الدولي والأخبار الاقتصادية والعسكرية وغيرها من التصنيفات .

أما أهمية هذه الدراسة فهي تنبع من كونها تتخذ من مفهوم تدفق الأنباء الخارجية مدخلاً لمعرفة مصادر تلك المعلومات، وأي التصنيفات أو الجهات أو العوالم الأكثر قدرة على النفاذ إلى صحافتنا المحلية، كما أنها تسهم في بناء قاعدة بيانات عن موضوع تدفق المعلومات الخارجية، وتحديداً في «الوسط»، وتغطيها في فترة زمنية تمتد لأسبوع واحد يبدأ من 5 - 11 مايو/ أيار 2005 .

مناقشة النتائج جدول رقم (1) العوالم التي تتدفق منها الأخبار

بينت النتائج المرصودة أن الدول العربية هي أهم عالم تتدفق منه الأخبار في صحيفة «الوسط»، وهي نتيجة شبه حتمية لاعتبارات تتعلق بعوامل قومية وجغرافية وسوسيولوجية، باعتبار أن العالم العربي وقبل أن يكون متشاطئاً فيما بينه هو أيضاً متصاهر دينياً وثقافياً ولغوياً وعرفياً، وبالتالي فإن كونه أوال العوالم التي ترد منها الأخبار هو أمر طبيعي وغير مستغرب.

ثم بينت النتائج أن العالم الأوروبي جاء في المرتبة الثانية، وهو ما يمكن رده إلى عوامل تاريخية وسياسية فيما يتعلق بالعلاقات بين القطر العربي والأوروبي، وخصوصاً أن الدول الأوروبية كانت هي الحاضن الاستعماري المباشر لمعظم الدول العربية قبل أن تحل محلها الولايات المتحدة الأميركية بعيد الحرب العالمية الثانية، بالإضافة إلى عامل الهجرة العربية الواسعة نحو تلك البلدان لأغراض مختلفة منها ما هو سياسي واقتصادي وفي أحيان أخرى علمي وثقافي.

وفي المرتبة الثالثة جاء العالم الآسيوي، وهو ما يمكن رده إلى مسألة في غاية الأهمية، وهي أن القارة العجوز أو القارة القديمة، كما تسمى هي العمق الاستراتيجي الحقيقي للعالم العربي، كما أن هذا العالم الآسيوي هو الحاضن الجغرافي لعدد من الدول العربية وبه عرف العرب الحضارات والتجارة والإبحار، وبالتالي فإن النتيجة التي توصل إليها البحث تفيد بأنها نتيجة بائسة وبها غبن كبير، وتدفعنا جميعاً لأن نعيد الكثير من سياساتنا الثقافية مع هذا العمق المهمل، وخصوصاً أن هذا العالم أضحى بفضل الثقل الاقتصادي لليابان والنمور الآسيوية أرضاً خصبة للكثير من مشروعات السياسة والاقتصاد.

أما المفارقة التي تم رصدها فهي تتلخص في تقارب النسبة بين عالمي أميركا الشمالية وأميركا اللاتينية، إذ إن الفارق كان 1 في المئة فقط لصالح أميركا الشمالية، على رغم أنها مستحوذة على الكثير من المصادر الخبرية ووكالات الأنباء وينشط الاقتصاد العالمي من خلالها، ويمكن رد ذلك إلى ما يصطلح عليه الآن من عودة الأحزاب الاشتراكية الجديدة وطرحها كبديل للمشروعات الرأسمالية الليبرالية، وبالتالي فإن أميركا الجنوبية يمكنها أن تبدأ عمليات تسويق سياسي وإعلامي لها في المنطقة العربية باعتبار أن الأرضيات الممهدة بدأت تنضج في طرح اسمها كبديل محتمل لبعض الخيارات التقليدية في مسألة مصادر الأنباء.

مصادر الأنباء الخارجية

1- إن صحيفة «الوسط» اعتمدت بشكل كبير على عنونة بعض مصادر الأنباء بـ «وكالات» فقط من دون معرفة أي من الوكالات التي تتبنى الخبر، كما جاء في المرتبة الثانية أن الصحيفة اعتمدت بشكل مركز أيضاً على الأخبار من دون مصدر وفي ذلك مطب إعلامي يجب النظر إليه، لأن اعتماد صحيفة تنعت بأنها موضوعية ومستقلة بهكذا مصادر سيؤثر من دون شك على مسلكياتها الإعلامية وعلى صدقيتها أمام الجمهور وأمام وسائل الإعلام الأخرى .

2- اعتمدت الصحيفة على بعض الأخبار المتعددة المصدر، وتحديداً على وكالة «د. ب. أ» التي نشطت أكثر فأكثر في موضوعات الرياضة والاقتصاد، وقد حازت المصادر المتعددة على المرتبة الثالثة من ضمن بقية الخيارات، فيما تفوقت وكالة «أ. ف. ب» على وكالة «رويترز» بفارق أربع نقاط، بينما لم تحرز الوكالات العربية والأوروبية الأخرى على أية نسبة، في حين حازت الوكالات المحلية على 1 في المئة فقط.

3- النتيجة النوعية التي بينها الجدول الثاني هي أن صحيفة «الوسط» تعتمد اعتماداً جيداً على مراسليها في تلقي الأنباء والتقارير الإخبارية والتحليلات، وهم موزعون في عدد من الدول المحورية والرئيسية في القارات الأربع آسيا وإفريقيا وأوروبا وأميركا الشمالية، ويمكن ذكرهم كالآتي:

- واشنطن : محمد دلبح (ويغطي أيضاً حوادث كندا وأميركا اللاتينية).

- فلسطين المحتلة : محمد أبوفياض.

- دمشق: فايز سارة.

- برلين: سمير صبح.

- الرباط: المصطفى العسري (ويغطي أحياناً حوادث دول المغرب العربي).

- بيروت: آمنة القرى.

- عمّان: حسين دعسة.

- بغداد: عصام العامري.

- الكويت: حسين عبدالرحمن.

مضامين الأنباء الخارجية

1- إن الأخبار الخاصة بالسياسة الداخلية قد استحوذت على أعلى نسبة، وذلك مرده إلى أن صحيفة «الوسط» هي في الأساس صحيفة تعنى بالشأن المحلي، وتتناول حوادث الداخل كأولوية مهمة، وخصوصاً أنها كمشروع إعلامي برز في فترة حساسة جداً من تاريخ البحرين وتحديداً مع مطلع العام 2002 وهي فترة تميزت إلى حد ما بانفراجات سياسية وأمنية وحتى اقتصادية فتحت المجال أمام الطبقة الوسطى لأن تلعب دوراً في صوغ بعض من أدوات اللعبة الداخلية بمساحة قد تكون غير متوافق على حجمها بين الحكومة والنخب السياسية وقوى المجتمع المدني.

2- إن الأخبار الاقتصادية حلّت في المرتبة الثانية بعد الأخبار المحلية وفي ذلك نظر يجب الالتفات إليه، وهو أن صحيفة «الوسط» راهنت بشكل كبير على بعض المشروعات الاقتصادية الرسمية، وبالتالي فهي تهتم كثيراً بالأخبار الاقتصادية وتنشر ما يتم طرحه من مسميات وورش عمل تخص تلك المشروعات، أضف إلى ذلك فإن عدداً كبيراً من أعضاء مجلس إدارة صحيفة «الوسط» هم من رجال الأعمال والمستثمرين الكبار في المملكة وهو ما يفسر اندفاع الصحيفة لأن تراعي كثيراً الجوانب الاقتصادية.

3- المفارقة في النتيجة الثالثة تتمثل في أن شئون الرياضة حازت على ذات النسبة التي حازت عليها الشئون الاقتصادية، وهو باعتقادي خطأ كان من الأجدى بالصحيفة أن تتفاداه، باعتبار أن صحيفة «الوسط» ليست صحيفة متخصصة في هذا مجال. قد يكون من اللازم التنويه هنا إلى أن هذه المراقبة الزمنية لحركة تدفق المعلومات الخارجية وتصنيفها، وما رشح عنها من نتائج يمكن أن تكون مرهونة بشكل مباشر وغير مباشر بالحركة السياسية والاقتصادية الإقليمية منها والدولية، ولمسيرة الحوادث الساخنة التي قد تنشط في أي مكان من العالم طبقاً لمفاعيل الأوضاع الداخلية والخارجية ومدى ارتباطها بالمؤثرات العالمية

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 1158 - الأحد 06 نوفمبر 2005م الموافق 04 شوال 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً