العدد 1158 - الأحد 06 نوفمبر 2005م الموافق 04 شوال 1426هـ

ممانعة دولية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

التظاهرات التي عمت الأرجنتين والكثير من دول أميركا اللاتينية ضد سياسة الولايات المتحدة الاقتصادية ونظرياتها بشأن التجارة الحرة وغيرها من مفاهيم تؤكد مجدداً نمو تيارات سياسية ممانعة للهيمنة الأميركية ومشروعها الدولي. فالعالم في النهاية كبير وفيه الكثير من المشكلات المعقدة لا تقوى دولة واحدة على حلها.

وقراءة سريعة في تلك الإشارات التي أرسلتها المظاهرات المخالفة للسياسة الأميركية تكشف عن وجود ممانعة دولية لمشروع الهيمنة... وهذه الممانعة لا تقتصر على دول العالمين العربي والإسلامي وانما نراها ممتدة ومتسعة لتشمل مساحات غير عربية وإسلامية.

هذه المسألة مهمة لأنها تعكس ظواهر غير مطمئنة ومتخوفة من سلبيات البرامج الأميركية تنبعث من شعوب وثقافات وحضارات غير مسلمة. وهذا ما يخالف تلك التصريحات والتحليلات التي تصدر عن «البيت الأبيض» وتركز على أن العالم استكان واستراح ولم يبق في الميدان إلا بن لادن والظواهري والزرقاوي ومن يدور في فلكهم.

هذا التبسيط الذي لجأت إليه إدارة جورج بوش تحول إلى استراتيجية أميركية تختصر معاركها ومجادلاتها في بقعة جغرافية تمتد من إسبانيا إلى إندونيسيا (العالم الإسلامي) متناسية أن مشكلات العالم عالمية وهي موجودة حتى في تلك المناطق القريبة التي تعتبرها واشنطن مجرد حوض (حديقة خلفية) لمزرعتها.

ما حصل ويحصل من مناقشات ومداولات وتظاهرات ضد السياسة الأميركية يعطي فكرة موجزة عن اتساع المسرح الدولي لرقعة المعارضة. فهي كما تشير التظاهرات لا تنحصر في مناطق معينة ودين محدد وثقافة إسلامية. فالممانعة دولية وهي تنمو سنوياً وتكسب المزيد من الأنصار في وقت تتجه الولايات المتحدة إلى عزلة سياسية تبحث عن أصدقاء للتعامل معهم.

إلى اتساع رقعة المعارضة الدولية للسياسة الأميركية تظهر تباينات في أطياف القوى الممانعة لمشروع الهيمنة. والتباينات يمكن رصدها من خلال توجهات القوى الرافضة لاستراتيجية واشنطن. فهناك من يرفض الايديولوجية التي تتبناها واشنطن انطلاقاً من نزعة دينية مذهبية (كاثوليك ضد بروتستانت). وهناك من يرفضها انطلاقاً من مشاعر قومية ناجمة عن تلك الكراهية المتراكمة من الخمسينات والستينات والسبعينات والثمانينات حين لجأت إدارات واشنطن إلى تنظيم الانقلابات العسكرية وترتيب سلسلة اغتيالات وتصفيات ودعم الأنظمة الدكتاتورية لمواجهة الحركات الشعبية. وهناك من يقاوم المشروع الأميركي للإصلاح الاقتصادي خوفاً على مكتسباته الاجتماعية من اخطبوط المصارف ومؤسسات النقد التي تخطط للهيمنة على ثروات الشعوب ومصادرة هامش تحركاتهم المحدودة في المجال القومي.

الاعتراضات كثيرة ومتباينة فمنها الايديولوجي ومنها الديني والسياسي والاقتصادي... ولكنها في النهاية تصب في دائرة معارضة مشروع الهيمنة الذي تريد واشنطن تعميمه من خلال اتفاقات تجارية تعطل إمكانات النمو المتوازن وتعرقل التنمية الاجتماعية وتركز الثروات النقدية في إطار مجموعة شركات وهيئات قليلة، تقذف بعشرات المؤسسات الأهلية (الصغيرة والمتوسطة) إلى العطالة عن العمل بسبب وجود منافسة لا تقوى على مواجهتها.

التظاهرات التي عمت الأرجنتين والكثير من الدول اللاتينية ضد «قمة الأميركتين» في مدينة مارديل بلاتا الساحلية أظهرت وجود ممانعة شعبية ورسمية لسياسة تستهدف تقويض اقتصادات أميركا الجنوبية من خلال استدراج عروض وتوقيع اتفاقات تستفيد منها الشركات الكبرى ومراكز القوى وتطرد من حلبة المنافسة تلك الهيئات والمؤسسات التي تعتمد على السوق القومية (المحلية) ولا تملك الإمكانات لمزاحمة الكارتيلات (التجمعات الصناعية) والشركات والمصارف المتعددة الجنسية.

المعركة ضد النفوذ الأميركي ومحاولات الهيمنة الدولية طويلة وممتدة وهي الآن أخذت تخرج عن نطاق السيطرة وتكتسب المزيد من الألوان والثقافات، إضافة إلى أطياف متنوعة من الأديان والجماعات الأهلية. وهذه النقطة لا تخدم بالتأكيد مشروع بوش ضد الإسلام والمسلمين

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1158 - الأحد 06 نوفمبر 2005م الموافق 04 شوال 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً