العدد 1158 - الأحد 06 نوفمبر 2005م الموافق 04 شوال 1426هـ

الابتعاد يورث الاحتجاج أو التهميش الذاتي

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

لعلنا بحاجة إلى مراجعة أسباب نزوع الاتجاه الإسلامي الشيعي إلى الإكثار من الأعمال الاحتجاجية، ولعل أحد الأسباب هو الابتعاد عن ممارسة دور نافذ في الدولة أو في الدوائر المؤثرة على صنع القرار.

وربما أن الابتعاد ليس اختيارياً، وإنما أجبر عليه هذا الاتجاه لأسباب سياسية اتسمت بالتمييز ضده على فترات طويلة، ولكن هذا الابتعاد (أو الإبعاد القسري) قد تحول إلى أساس ثابت، بحيث حتى لو توافرت الفرصة لعدم الابتعاد (بمعنى الاقتراب من دائرة القرار) فإن الاتجاه الإسلامي الشيعي ينزع - بطبيعته - نحو عدم المشاركة، وإذا اشتد الخناق عليه يلجأ إلى الاحتجاج.

وقد كانت إحدى النتائج التي توصل إليها خبير أميركي زار البحرين قبل عدة شهور والتقى الجمعيات السياسية، ان جمعية الوفاق (التي تمثل الجناح السياسي للاتجاه الإسلامي الشيعي المتحرك) أقرب إلى «مجموعة ضغط» منها إلى «حزب سياسي»، والفرق بين الاثنين كبير جداً.

فمجموعة الضغط ذات هدف واحد وجزئي، ولها دور في «زاوية محددة» و«مؤطرة في دائرة ضيقة» تختص بـ «مصالح فئة من الناس فقط». أما الحزب السياسي فهو يمثل جماعة منظمة على «أساس منهجي ومحترف»، وتسعى هذه الجماعة إلى «الوصول إلى دائرة القرار في الشأن العام» بكامل جوانبه.

ولو رجعنا الى منتصف السبعينات من القرن الماضي نرى انه عندما اتخذت البحرين قراراً استراتيجياً (صحيحاً) لانشاء خدمات مالية ومصرفية إقليمية رائدة، احتاجت الى مشاركة عدد من علماء الدين. كانت المصارف الإسلامية في بداياتها، وكان أحد فقهاء الشيعة (السيدمحمد باقر الصدر) أول من طرح تنظيراً للمصرف الإسلامي اللاربوي. وعندما وسعت المصارف انشطتها في البحرين اتجهت إدارات المصارف إلى إشراك بعض علماء الدين السنة والشيعة ضمن الجانب الشرعي من العمل المصرفي، غير أن المصارف وجدت تردداً من علماء الشيعة، في مقابل استجابة أكبر من علماء السنة. ومع الزمن أصبح علماء الدين السنة خبراء دوليين في الصيرفة الإسلامية، بينما اختفت آثار علماء الدين الشيعة، بسبب ترددهم وعدم مشاركتهم الفعالة في بادئ الأمر.

حالياً، تثار ضجة كبرى بشأن قانون الأحكام الأسرية، والاتجاه الإسلامي الشيعي لجأ إلى الاحتجاج. ولكن قبل ان يلجأ إلى الاحتجاج هل كان بالإمكان استيضاح الأمر أكثر؟

بحسب علمي أن الحديث عن مسودة للأحوال الشخصية مضى عليه عدة سنوات، وان المسئولين في الحكومة البحرينية قالوا لعلماء الشيعة (ما معناه): ارجعوا إلى مراجع الدين في الحوزات العلمية وبالإمكان الوصول إلى مساحة مشتركة من دون الإضرار بهذا المذهب أو ذاك.

فجأة وإذا بالأمور تتجه نحو لغة الاحتجاج، على رغم أن الذي يلجأ إلى الاحتجاج إنما هو الفاقد للنفوذ، وهذا لا ينطبق على وضع علماء الدين حالياً. فعلماء الدين الشيعة (لاسيما الذين يتصدرون الشارع المتحرك) لديهم أبواب كثيرة يستطيعون من خلالها ممارسة نفوذهم والحصول على ما يريدونه من دون الحاجة إلى التحرك على أساس انهم وصلوا إلى مرحلة الخطر وانعدام الرأي والحيلة.

ربما إن الابتعاد عن دائرة القرار قد أصبح ثقافة تسيطر على جمهور المسلمين الشيعة، وهذا يورث إما التهميش (القسري أو الذاتي) أو الاحتجاج. ونقطة أخرى بحاجة الى تدقيق، وهي أن الاقتراب من دائرة القرار لا يعني بالضرورة ان الإنسان يفقد مبادئه، أو انه يصبح «ألعوبة» بيد من لديه القوة والسلطان... فهذه كلها «معادلات قديمة» بحاجة إلى مراجعة لكي لا تختلط الأوراق أكثر مما هي عليه الآن، ويخسر من لديه النفوذ فرصة التأثير المتوافرة أمامه

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 1158 - الأحد 06 نوفمبر 2005م الموافق 04 شوال 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً