شهد لبنان أمس الأول فصلا دراماتيكيا جديدا مع إطلاق سراح الضباط الأربعة، بعد 44 شهرا من الاحتجاز.
الفصل الجديد سبّب ضربة جديدة أصابت القضاء اللبناني في رجليه، لن يتشافى من أوجاعها قبل مرور وقت طويل. وقد سمعنا دعوات من شخصيات لبنانية، تطالب بعضها باعتذار القضاة الذين أمروا بسجن الضباط الأربعة، وطالب آخرون باستقالة مجلس القضاء الأعلى لحفظ كرامته، وبينما طالبت أصوات أخرى بإدخال القضاة السجن!
الضباط الأربعة استقبلهم الشارع بحماسة، بعد أربع سنوات من تصويرهم رموزا للشرّ المطلق، أصبحوا ضحايا في نظر الكثيرين بعد أن حكم القضاء الدولي بأنهم لم يكونوا متهمين ولا مشتبه بهم أصلا.
كنت أتابع تفاصيل الخبر، وأتوقف عند تصريحاتهم وطرق تعبيرهم في تلك اللحظة الحاسمة من الحرية، ولعل أبرز المواقف تلك التي أطلقها جميل السيد (المدير العام السابق للأمن العام)، إذ أحسن إطلاق عبارات مدوية، حين اعتبر أن السجين الخامس الذي لم يفرج عنه بعد هو رفيق الحريري، الذي سجنه القضاء اللبناني وفريق السلطة اللذان ساهما في تضليل الرأي العام. وأن ابنه إما «مضلّل» وإما «قايض السياسة بأبيه»، وطالبه بردّ الاعتبار لأبيه، ومحاسبة رجال إعلامه والسياسيين والقضاة الذين كذبوا عليه.
الزوبعة الجديدة أثارها قرار قاضي الاجراءات التمهيدية في المحكمة الدولية دانيال فرانسين، الذي أشار إلى عدم وجود عناصر تمكّن من توجيه الاتهام للضباط. وهو ما أثار ردود فعل حانقة لدى الجمهور الذي اهتزت ثقته بالقضاء الوطني، الذي وقف مكتوف اليدين، مسيّسا، أبكم عن قول كلمة الحق، وتابعا لأهواء فريقٍ من الساسة، بينما جاءت «العدالة» من الخارج، على لسان قضاة أجانب، في محكمة دولية.
الوزير والنائب السابق ميشال سماحة، اعتبر إطلاق سراح الضبّاط المفترى عليهم، بداية لسقوط «جمهورية الكَذَبَة»، التي قامت على تصنيع شهود الزور وتضليل الرأي العام وإبعاد الأنظار عن المجرمين الحقيقيين.
سماحة ليس شخصا عاديا، بل هو مسئول يمتلك رؤية بانورامية كبيرة للساحة، فهو يتكئ على ملفاتٍ ضخمةٍ من المعلومات والوقائع التي تغيب أكثرها عن أنظار الجمهور البسيط. وفي تعليقه على الحدث أشار بأصابع الاتهام إلى أجهزة عربية وأجنبية، ولقاءات سرية في عواصم شرقية وغربية، كلها كانت متورطة في تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الأميركي «الجديد»، الذي كان يستهدف في إحدى حلقاته لبنان بالفتنة، لضرب الشيعة بالسنة، وتطويق المقاومة الباسلة التي دحرت «إسرائيل» لأول مرة في تاريخ الصراع، فيما عجزت جيوشٌ مجيّشةٌ من تحرير بوصة واحدة من الأراضي العربية المحتلة.
جميل السيد أمضى سنوات سجنه الأربع في مطالعة كتب التاريخ وكتابة المذكرات، وقال إنه كان يقاتل في السجن «من أجل الحرية»... وهل هناك عروسٌ أجمل وجها وأغلى مهرا من هذه الفاتنة الحسناء؟
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 2429 - الخميس 30 أبريل 2009م الموافق 05 جمادى الأولى 1430هـ