تنازعَ الأب على حضانة الطفل، فسبقته الأم بالأدلّة إلى المحكمة لتحصل على الحضانة، فما كان منه إلا الذهاب إلى أحد المحامين المشهورين، لينتقم منها ويحصل على حق رعاية الطفل.
وتحكم المحكمة في النهاية بوجوب حضانة الأم، لصغر سن الطفل، فيفرح الطفل ويغرِّد لوجود أمه في حياته، ولكن ما هي إلا سنتين، وتتزوّج الأم برجل آخر، ويخيّرها بينه وبين طفلها المسكين، بعد أن أنجبت له طفلا آخر. وبعد التفكير العميق تُقرر الأم إرجاع حضانة الطفل لوالده، الذي تزوّج منذ سنة، ولا ينوي إضافة فردٍ دخيل على زوجته وأطفاله الجدد، فما كان منه إلا إهدائه لأمه العجوز، حتى تربي هذا الطفل التائه بينهما.
وتمر السنون، ويكبر الطفل ويصبح في سن الزهور، ولكن بقلب رجل عجوز، وبمنطق كراهية وحقد على الأب والأم وأسرتيهما، فما أن يحضر الأب لأخذه في نهاية الأسبوع، حتى يجهز الحجج لئلا يذهب مع والده، فتارة عنده بحث مهم مع أصدقائه، وتارة لديه امتحان... وهكذا.
ولم تنتهي المأساة، فالأم تأتي بسيارتها الجميلة نهاية الأسبوع الثاني، وهي لم تره منذ شهر ونصف تقريبا، فيخرج لها، وتطلب منه قبلة عند اللقاء ولكنه يتردد ويشمئز، فهي تركته بأعصاب باردة ومشاعر أبرد، واليوم تطلب منه أن يقبّلها. إنه لا يعلم معاناة أمه، ولكنه يتذكّر دوما معاناته عند تخلّيها عنه ذلك اليوم المشئوم عندما كان صغيرا. وما هي إلا لحظات حتى تطلب منه جلب أغراضه لأخذه معها ومع أخوته من أمه، فيتردّد قليلا ويقدم لها أسبابا واهية كتلك التي قالها لوالده، لئلا يذهب معها، فتذهب الأم وقلبها معصور ألما على طفلها الشاب، الذي لم يفرح بها ولم تفرح به.
ويتصل به صديقه، ويخبره بأنّهم سيجتمعون الليلة في بيت أحد الأصدقاء، فيفرح فرحا غامرا، فهو متعلّق بأصدقائه أكثر من والديه، لأنه يعرف أصدقاءه ولكنه لا يعرفهما، ولأنّ أصدقاءه لم يخذلوه ولم يبعدوه عنهم، فهم الأحبّة الذين كانوا معه عندما احتاجهم. من الممكن أن يكون هؤلاء من رفقاء السوء، أو من أهل الخير، ولكن هذا المراهق ضائع في جحيم الخذلان... خذلان أمه وأبيه وتخلّيهما عنه وقت الحاجة، فأصبحت الدنيا سوداء، إلا من أصدقائه وجدّته العجوز التي تدعو ليلا ونهارا له.
أيعتبر كره الولد لوالديه وصدّه لهما دليلا على أنه الجاني أم المجني عليه؟ أهي الرغبة في جرحهما كما جرحاه؟ أم أنه ما زال يتألّم عندما يرى والديه مع أسرتهما، وينظر لأخوته بعين الحاسد الحاقد؟
إن الطلاق ليس أمرا غريبا هذه الأيام، ولكن جحود الآباء وبعدهم عن أطفالهم، هو الأمر الغريب في القصة، فالأبوان شاركا في جعل هذا الطفل يكرههما ويحقد عليهما، ولا يتمنى سماع صوتهما أو رؤيتهما في حياته، فهما لم يُرياه الحب الذي كان يريده عندما كان صغيرا، فلا يتوقعا منه الحب عندما يكبر، فهما يحصدان الآن ما زرعاه.
إقرأ أيضا لـ "ريم خليفة"العدد 2429 - الخميس 30 أبريل 2009م الموافق 05 جمادى الأولى 1430هـ