«سيأتي اليوم الذي يصبح فيه صمتنا في القبور أعلى من أصواتنا». كانت تلك هي آخر الكلمات التي تفوه بها النقابي أوجست سبايس قبيل إعدامه، وذلك إثر قيادته لاضطراب العمال في شيكاغو في الأول من مايو/ أيار 1886م، والذي نظمته منظمة «فرسان العمل» في أميركا، وهي المنظمة التي كانت تسعى إلى تحسين أوضاع العمال وتخفيض ساعات العمل، إلى ثمانٍ في جميع المهن والصناعات، و في تلك الاضطرابات حصلت مصادمات بين العمال والشرطة أدّت إلى سقوط عدد من القتلى، وعلى أثرها تم اعتبار الأول من مايو عيدا للعمال.
في البحرين ومع ظهور النفط تحول المجتمع من البحر والزراعة إلى الآلة والتقنيات وعالم المال والاستقرار الوظيفي. ومع تدفق أموال النفط، تعززت الطبقة التجارية والتي استغلت الثروة النفطية في اكتساب مزيد من الوكالات التجّارية وأعمال المقاولات المتزايدة مع النمو والتطور العمراني، وقد عززت هذه الطبقة هيمنتها الاقتصادية بالتحالف مع السلطة، ويعتبر أبناؤها من طليعة الليبراليين والمنادين بالإصلاح والتغيير، كما ظهرت طبقة جديدة هي الطبقة الوسطى من موظفي الحكومة والذين أخذوا قسطا وافرا من التعليم المحلي المنتشر بسبب زيادة مخصصاته من الثروة النفطية، هذه الطبقة اكتسبت وعيا سياسيا وثقافيا مميزا، أهلها لأن تحمل الهم الوطني والتأثر بمجرى الأحداث والتطورات السياسية والفكرية إقليميا وعالميا، فأصبحت في شد وجذب مع السلطة مستغلة عمال النفط وقودا للمواجهة. وتعتبر طبقة عمال شركة نفط البحرين بابكو طبقة جديدة أفرزها النفط. فبعد أن أرسى عقد امتياز النفط لشركة ستاندر أويل، أقامت الأخيرة منشآتها على الأراضي البحرينية، فاحتاجت إلى عمال يمتهنون أعمالا يدوية متعلقة بالبناء والنقل، فدخل الكثير من البحرينيين في تلك الأعمال، كما استطاعت الشركة تأهيل عدد من خريجي المدارس في الأعمال الفنية والهندسية ولكن بأعداد قليلة، ونظرا لوضع العمال البحرينيين غير المنصف في الشركة جعلهم ينتهزون فرصة أية قلاقل أو اضطرابات في البلاد من أجل المشاركة فيها لرفع مطالبهم، وقد اتضح دورهم في أحداث 1938م بسبب تسريح الشركة لـ 1781عاملا، حيث رفعوا تظلماتهم إلى الحكومة والمتمثلة في:
1. إن عدد الأجانب العاملين في الشركة يفوق عدد العمال البحرينيين.
2. تدني أجور العمال البحرينيين مقابل أجور الآسيويين.
3. الفارق الكبير بين سكن الأجانب الأسمنتي وسكن البحرينيين المتمثل في أكواخ لا تقيهم من غبار الصيف ولا من برد الشتاء.
4. المواصلات مجانية للأجانب من دون البحرينيين.
5. العلاج المجاني لعمال الشركة من الأجانب.
وعندما تفاوضت الحكومة مع زعماء الحركة، كانت المطالب العمالية تكمن في أن تعطى الأفضلية للبحرينيين في شركة نفط البحرين، وأتاحت لهم فرصا أكبر للعمل من الأجانب، وتكوين نقابة للعمال تعرف بلجنة العمال، لكن شيخ البحرين آنذاك لم يوافق على فكرة النقابة، واستعاض عنها بفكرة ممثل عن الحكومة كوسيط بينها وبين عمّال شركة النفط بابكو لحل أية إشكالية تواجههم. عاد الهاجس العمالي مرة أخرى إذ ظهر ما يعرف باتحاد العمل البحريني عام 1954م، ويرجع الفضل في إنشائه لهيئة الاتحاد الوطني والتي ترى في أن للعمال الحق في تنظيم أنفسهم، لكن تشتيت قادة الهيئة من قبل الحكومة أحال دون نجاح حركتهم ، ومع الاستقلال وقيام المجلس الوطني، وبالتحديد في عام 1974م قدمت للمجلس عريضتان مقدمتان من عمال بابكو وألبا تطالبان بإقرار إطلاق حرية التنظيم النقابي واعتبار اليوم الأول من مايو عيدا رسميا في البلاد، واستمرت المطالبات وكان لها ذلك عندما في الثالث عشر من يناير/ كانون الثاني 2003 عندما انعقد المؤتمر الأول التأسيسي للاتحاد العام لنقابات عمال البحرين، ومنه انطلق الأول من مايو ليكون لعمال البحرين يوما يقفون عنده ليرسمون من خلاله مطالبات تحدها الوطنية من جهة والحق من جهة أخرى. فهل هم قادرون على ذلك دون الانجرار إلى نفق الطائفية المظلم؟ وهل هم قادرون بالفعل على نشر ثقافة نقابية فاعلة؟ فالمعول الآن على النقابات كسبيل إلى نيل حق يراد به تحسين وضع العامل الاقتصادي والاجتماعي، حري بنا الوقوف معهم في يومهم، فلهم وبهم وعلى سواعدهم تشيد الأوطان.
إقرأ أيضا لـ "رملة عبد الحميد"العدد 2429 - الخميس 30 أبريل 2009م الموافق 05 جمادى الأولى 1430هـ