ألقى السيدمحمد حسين فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين "ع" في حارة حريك، بحضور حشد من الشخصيات الدينية والسياسية والاجتماعية، وجمهور غفير من المؤمنين. .. ومما جاء في الخطبة السياسية: الشعب الفلسطيني يواجه القتل اليهودي اليومي المنظم، والاجتياحات الوحشية التي تمنع الناس من الاستقرار والاحتفال بالعيد، وترعب الأطفال والنساء، وتصادر حرية الشباب باعتقالاتها العشوائية، وتتحرك - من خلال بعض مسئوليها - في المطالبة بضم أجزاء من الضفة الغربية الى كيانها وهي التي تقوم عليها المستوطنات الكبرى ومواقع الجدار العنصري الفاصل، في ظل صمت شامل من الدول الكبرى وفي مقدمتها أميركا. أما الأمم المتحدة فهي مشغولة بالتحضير للاحتفال بذكرى المحرقة "الهولوكوست" التي قام بها النظام النازي ضد اليهود الذين ضاعفوا أعداد الضحايا منهم الى مستوى الملايين، من دون أية إحصاءات دقيقة، وذلك بالتخطيط لوضع برامج تربوية لأخذ العبرة من ذلك، لتفادي حصول إبادات في المستقبل. ولكننا نلاحظ أن المجتمع الدولي في الأمم المتحدة لا يتحدث عن إبادة "إسرائيل" للشعب الفلسطيني بشكل تدريجي، وعن المحرقة الصاروخية التي تستهدفه يوميا بالسلاح الأميركي الذي يمنح اليهود كل الإمكانات لقتل هذا الشعب وتدمير بنيته التحتية، وملاحقة المطالبين بالحرية وزوال الاحتلال من أرضهم بتهمة الإرهاب، كما لو كانت حرية الشعوب مطلبا إرهابيا. لقد مرت مجازر: قانا، صبرا وشاتيلا، جنين وغزة من دون أن يقف المجتمع الدولي لإدانة "إسرائيل" التي تستعيد المحرقة لتثأر من شعوب المنطقة. ونحن نسأل في حديث مع الاتحاد الأوروبي: إذا كان اليهود تعرضوا لمحارق على أيديكم، فلماذا يراد لنا أن ندفع نحن الأثمان، في الوقت الذي كان فيه العالم العربي والإسلامي يحتضن اليهود في بلاده، ويمنحهم الامتيازات الأمنية والاقتصادية والحريات الدينية، بحيث عاش اليهود معنا بكل حرية وكرامة لأن الإسلام علامنا احترام الأقليات الدينية في أوضاعهم العامة، من خلال القيم الروحية الإنسانية في الدين الإسلامي؟ أما العراق، فإن أميركا لاتزال تضغط على شعبه في احتلالها الذي أدى الى سقوط أكثر من 30 ألف عراقي، بفعل الطريقة التي يدير بها الأوضاع في البلد الذي لم يحصل على أي توازن أمني واقتصادي، حتى أنه هيأ كل الظروف لتشجيع الجماعات التكفيرية الحاقدة مذهبيا لتفجير الناس في مساجدهم ومزاراتهم وشوارعهم ومواقع عيشهم، من دون أن يواجه هذا الواقع بما يملكه من قوات ضاربة لحماية الشعب المستضعف، بفعل تحمل مسئولية أمنه بقرار الأمم المتحدة التي تفرض على الدول المحتلة ذلك. ومن الملفت ما صرح به بعض المسئولين الأميركيين من أن بقاء الاحتلال في العراق يمثل "حماية لـ "إسرائيل" التي قد تواجه الخطر إذا انسحبت أميركا بقواتها منه". لقد بدأت أميركا - من خلال سياسة الإدارة - تخسر الحرب في العراق اقتصاديا من خلال عشرات المليارات من الدولارات التي تنهك اقتصادها، وعسكريا من خلال القتلى الذين تجاوزوا الألفين، والجرحى الذين قاربوا العشرين ألفا بفعل المقاومة العراقية للاحتلال، وستبقى غارقة في الرمال العراقية المتحركة، ما أدى الى خسارة الرئيس الأميركي ثقة الرأي العام الأميركي في استطلاعات الرأي، وتصاعدت الأصوات للمطالبة بانسحاب القوات الأميركية من العراق. وربما بدأت أميركا - بإدارتها الحالية - الهروب الى الأمام من المستنقع العراقي، للضغط على مجلس الأمن للاستفادة من علاقاتها بالاتحاد الأوروبي وضغوطاتها على الدول الأخرى المتحالفة معها والضاغطة عليها، من أجل استصدار القرارات المتعلقة بالمنطقة لإضعاف مواقع الممانعة السياسية، ولاسيما بالنسبة الى سورية التي تريد منها الخضوع لمطالبها السياسية والأمنية، مستغلة الجريمة الوحشية في اغتيال الرئيس رفيق الحريري لفرض بعض الشروط التعجيزية، في عملية استغلال وإذلال. كما أنها لاتزال - مع الاتحاد الأوروبي - تضغط على إيران في مشروعها النووي السلمي، متهمة إياها بالتخطيط لصنع السلاح النووي، في الوقت الذي تمتنع فيه عن السماح للأمم المتحدة بأي قرار للضغط على "إسرائيل" في الترسانة النووية التي تملكها، بالإضافة الى أسلحة الدمار الشامل، لأنها لا تريد للعالم الإسلامي - ومعه العالم العربي - أن يحصل على أية قوة تمكنه من التقدم العلمي في عملية صنع القوة لتنمية طاقاته وللدفاع عن نفسه. إن أميركا تخطط لإثارة الفوضى في المنطقة باسم الديمقراطية التي تريدها على صورة مصالحها لا مصالح الشعوب... وعلى المنطقة أن تواجه هذا المخطط لحماية شعوبها وإمكاناتها وثرواتها من المصادرة لذلك كله، بفعل مشروع العولمة الاقتصادية التي تريد إفقار العالم ليزداد فقرا في مقابل زيادة الأغنياء غنى. إننا نشعر بخطورة المشروع الأميركي على العالم، لأنه يريد السيطرة المطلقة من أجل امبراطوريته الشاملة على الشعوب كلها، ونريد للعالم أن يرفض ذلك لأنه سيدمر كل أمنه واقتصاده، ويخطط للحروب المتنقلة من مكان الى مكان، وقد يؤدي الى تدمير الكثير من عناصر سلامة الكون. إننا لسنا ضد الشعب الأميركي والشعوب الأوروبية، ولكننا ضد إداراتها التي تنشر الفساد في الأرض لمصلحة الشركات الاحتكارية التي تخطط للحروب ولإسقاط اقتصاد العالم الثالث. إننا نسمع الكثير من الأحاديث عن الشرعية الدولية في فرض قراراتها على لبنان وسورية والمنطقة، ولكن السؤال هو: أية شرعية هذه التي لا تفرض نفسها في قراراتها على "إسرائيل"، ومنها القرار 194 الذي قررت فيه الأمم المتحدة عودة اللاجئين الى بلادهم، وكان الرئيس الأميركي الحالي هو الذي منع ذلك في رسالته الى شارون؟ إننا نلاحظ أن أميركا - وبعض حلفائها - هي التي يصادر مجلس الأمن ليكون سيفا مسلاطا على الشعوب لمصادرة كل مصالحها الحيوية، فيكف يمكننا أن نحترم هذا الواقع الدولي؟ أما لبنان الذي لايزال يتخبط في أزماته الاقتصادية، ومتاهاته السياسية، وشعاراته الطائفية التي يخيل فيها للإنسان اللبناني أن القائمين على شئون الطوائف - دينيا وسياسيا - يتحركون فيها على أساس فيدرالية الطوائف تحت عناوين سياسية غير واقعية، على طريقة كلمة حق يراد بها باطل، ما قد تكون المسألة فيه أن كل طائفة تنتخب ممثليها في الرئاسات لتفرضه على الوطن كله كما تنتخب وزراءها في الحكومة، وتتحدث عن قانون انتخابي يفسح المجال لهذه الطائفة أو تلك أن تنتخب نوابها بعيدا عن خيارات الطوائف الأخرى، ويحدثونك بعد ذلك عن الوحدة الوطنية وعن الاندماج الشعبي! ويبقى الإنسان اللبناني الذي يريد لحاضره ومستقبله أن يأخذ بالمواطنة لا الطائفية كعنوان للوطن وللمؤسسات لا الأشخاص كطابع للبلد، يفتش عن لقمة عيشه، وعن فرصة عمله، وعن خدماته الحيوية، وعن سلامة مصيره، فلا يجد لبنانه في الساحة
إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"العدد 1156 - الجمعة 04 نوفمبر 2005م الموافق 02 شوال 1426هـ