العدد 1156 - الجمعة 04 نوفمبر 2005م الموافق 02 شوال 1426هـ

الطب التجاري

سهيلة آل صفر suhyla.alsafar [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

انتشر في البحرين أخيرا وباء الطب الخاص. .. كل ذلك كما يقال سببه العولمة والتي باتت داء لا يرحم! هي مسهلة الأمور الغيبية في تغيير الحال! واجبار شعوب مغلوب على أمرها من قبول هذه الحال! ومهما كان لهذه الظاهرة من أضرار اجتماعية ومادية ونفسية بحيث بات المال هو المحرك الأساسي وسيد الموقف. لقد كانت الأنظمة الرسمية في "وزارة الصحة" اثناء تأسيسها وإنشائها في فترة السبعينات لا تسمح بفتح العيادة أو المركز أو المستشفى إلا للأطباء البحرينيين ذوي الاختصاص. بحيث تكون تحت اشرافهم الفعلي والعملي ومسئولين مسئولية كاملة عن إدارة هذه المهنة النبيلة! وكل ذلك كان لأسباب واضحة ومازالت وهي لحماية أبناء البلاد وحماية الممارسة من التلاعب والاستغلال ومن ثم محاربة المتاجرة بها من قبل الأجانب أو من غير الأطباء أو التجار. والسبب الثالث هو صغر حجم البحرين مساحة وقلة عدد السكان كثافة ما يصعب معها فتح الأبواب لمن هب ودب الدخول الى هذه الساحة الطبية المقدسة. مما قد قد يقلل ويقفل معها أبواب الرزق اذا ما ازداد عدد المنافسين من غير البحرينيين... ان أبناء هذه البلاد الذين درسوا وسهروا الليالي والسنوات الطوال والتي تزيد على العشر سنوات جامعية يحق لهم الحماية الكاملة لممارسة دورهم في مساعدة وعلاج أبناء بلادهم. وهم بعلمهم مفخرة للبلاد وعزة لأهلها... وحين تغيرت قيادة الوزارة... في فترة الثمانينات، تغيرت الأنظمة الصحية. ولم يسلم الأمر أو يبقى على حاله كما هي العادة عندنا... فالتغير لمجرد التغيير... باعتباره تقدما! ومن دون دراسة أو تأمل في خطورة هذه الخطوة من التغير! مجاراة للعصر. والنتيجة... بأن انقلبت الأمور والأنظمة رأسا على عقب! وبدأ تدريجيا بالسماح للتجار في التداول في هذا المجال ولجني الأرباح، وعمل الصفقات العلاجية والسياحية واستغلال الصحة لهذه الصفقات! بدأت المستشفيات الصحية الخاصة والمراكز في الانتشار في كل الطرقات وأحيانا في كل "زرنوق" وفيما بين البيوت المتواضعة والأحياء الصغيرة الفقيرة لامتصاص كل رحيق المراجعين... وبكل الوسائل التشجيعية، من عروض خاصة وتخفيضات جذابة مخفضة... كمثل: احضر مريضا معك وستحصل على علاج مجاني! أو اخلع ضرسا وسيكون خلع الضرس الآخر بنصف السعر... وتعال لعلاج أمراضك كافة فاذا عالجناك من مرضين سيكون علاج المرض الثالث مجانا! أو الكشف مجانا... وطرق كثيرة أخرى من الاحتيال للنصب على المراجعين. وأما برامج التوعية التجارية للربح الوفير والاعلانات في كل مكان والمسجات على الهاتف SMS والرسائل في صناديق البريد... حدث ولا حرج! وسكتت وزارة الصحة واختبأت يبدو انها خائفة من التجار الذين اخترقوا الساحة "وانطلق المارد السجين" ولاذت بالصمت الكئيب وكأنها خائفة من الرجوع عن القرار واكتفت باعطاء التراخيص! للجميع وعلى المكشوف وراضت الجميع من أصحاب الأموال المتحركة... ودخل الاطباء الأجانب في هذه المؤسسات من أوسع الأبواب وبدأت المنافسة! ولنر ما هي الأضرار التي حدثت مع هذا التغيير التجاري وصمت وزارة الصحة؟! وترك الحبل على الغارب! الضرر الأول: وهو الواقع يقع على كاهل الطبيب البحريني... والذي فتح عيادة خاصة متواضعة وهو يجاهد للعيش. يجد نفسه فجأة أمام مجموعة تجارية ضخمة مؤهلة ومتدربة في تدوير رأس المال. وجني الأرباح الطائلة... وبالأمثلة التنشيطية للأعمال العلاجية "الدعاية والإعلان" أما طريقة البحريني الطبيب/ الطبيبة فهي الطريقة العلمية والمهنية المحدودة في علاج وشفاء المرض من دون خلفية تجارية لاستغلال المريض... هذا هو الحال مع غالبية الأطباء فهو يعمل مع بعض المساعدين في عيادته ويأخذ ثمن علاجه ويطلب رزقا حلالا ليكفيه وأسرته وليعينه على تجديد معلوماته بين الحين والآخر وتطوير مستواه العلمي وبأن يبقي بعضا منها للادخار للأيام الصعبة عند الكبر أو العجز... أو اصابته باعاقة قد تعوقه عن ممارسة المهنة! كيف سيواجه هذا الطبيب والاختصاصي هذه الهجمة التجارية وهو الإنسان البسيط الذي قضى معظم وقته في التعلم والدراسة التقنية... وقد لا يكون لديه رأس المال اللازم للمنافسة! كيف سيقف في وجه طوفان التجار والغزاة في مجاله؟ ما العمل في حال استقطاب معظم مراجعيه الى المراكز التجارية الصحية المنافسة! ان هذه المنافسة غير متكافئة! ان هجمة هذه المراكز والمستشفيات الضخمة والمدروسة لاستقطاب معظم المرضى... مع وجود جميع التخصصات والمتجمعة تحت سقف واحد... ما يسهل حركة التشخيص والمريض في متابعة العلاج. وان هذه المصحات مدروسة درسا وافيا لمص دم المريض ماديا قبل علاجه! هذا اذا أثمر العلاج! ما هو ذنب أطبائنا كي يعاملوا بهذه الطريقة ويجازوا بإدخال التجار لاستغلال هذه المهنة واللعب بها تجاريا؟ أما المتضرر الثاني: فهم المرضى "المواطنون" الموهومون والذين قد يتعرضون إلى علاجات ذات نفعية ربحية ويأتي ذلك بأن يعقد التجار صفقات تجارية لأطباء محدودي الخبرة ويشترط عليهم بأن يكون الناتج الربحي ذا سقف معروف وواضح. ولن يرضى التاجر طبعا بالخسارة فالعائد يجب ان يكون مدروسا ومحسوبا بعناية تامة. وعلى سبيل المثال: قد تحتسب كلفة الطبيب الموظف شاملة "السكن والراتب وتذكرة السفر" بثمانمئة دينار شهريا. وعليه يجب ان يكون دخله لا يقل عن خمسة أو أربعة آلاف دينار وعلى افتراض وجود عشرة أطباء *4 آلاف دينار شهريا هذه أربعون ألف دينار شهريا. صافي الأرباح! هذا عدا الأدوية والمختبر... والأشعة والخ... أشياء كثيرة أخرى تحتسبها المستشفى "المصح" لزيادة الأرباح فإذا على هذا الطبيب استغلال المريض على الوجه المطلوب منه وذلك بإجراء كشوفات واختبارات وهمية وقد تكون عديمة الفائدة وغير ضرورية لتشخيص المرض، كل ذلك يضطر الطبيب المناوب على اجرائها! والا سيستبدل بآخر. أكثر فهلوة وشطارة... للقيام بمهمة إدرار المال بالطريقة المطلوبة والمتعارف عليها بينه وبين التاجر للحفاظ على هذه الوظيفة السحرية! والمعروف طبعا ان 100 في المئة من اطباء هذه المصحات هم من الاطباء الأجانب والآسيويين نعم ومع الأسف الشديد.. هذا واقع الحال... في هذه الدكاكين الطبية، والمريض هو الضحية لا يعرف ما سيكون من أمره وفي أي مطب قد وقع! وماذا سيكون حاله بعد كل هذه الاجراءات والفحوصات وهل هو سيشفى حقا بعد دفع كل هذه المبالغ المتوجبة عليه... أم ان له رحلة أخرى في مكان آخر لاستنزاف المزيد منه. ويا ويلك يا شعب يا مسكين... ستأكلها من الجهتين... كطبيب ممارس وكمريض والاثنين دونما أية حماية من الاستغلال! القائم حولهم... مواجهة هذه الهجمات... وفي زمان باتت الفلوس هي التي تتكلم! كيف سنواجه هذه الآلام... التي باتت تهدد حاضرنا من سيعلق الجرس من سيحمينا... يحمي مجتمعاتنا! أطباؤنا... ومواطنونا! كيف سنبقيهم في بلادهم ونعطيهم الأمن والحماية... ونوفر لهم مستقبلا كريما آمنا... كيف سنحترم ذواتهم. كي لا يفتقروا ويجوعوا في أوطانهم ويفقدوا الأمل في تحسين أوضاعهم المادية ويضطروا الى قفل عياداتهم... والهجرة الى الخارج في حين ان الآخرين "الأجانب" من الأطباء جاءوا لينعموا بخيرات هذا البلد الكثيرة... والتي حرم منها المواطنون بسبب سوء الأنظمة. متى ستفيق وزارة الصحة... هل سيعاد النظر في هذه القوانين المجحفة... في حق المواطنين انني اعتقد جازمة انه مازال هناك متسع من الوقت لانقاذ ما يمكن انقاذه وقبل فوات الأوان. لابد من غلق هذه الدكاكين الصحية التجارية... وترحيل الاطباء الذين يقاضون على لحم المرضى للتجارة لابد من تدخل سريع... وقبل حدوث الكارثة. وللحديث بقية

إقرأ أيضا لـ "سهيلة آل صفر"

العدد 1156 - الجمعة 04 نوفمبر 2005م الموافق 02 شوال 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً