ما "سر" تبدل مواقف الطوائف اللبنانية من مسألة التعديل الدستوري والتمديد للرئيس اميل لحود؟ فهذه المسألة شكلت قبل أكثر من سنة رافعة الانقلاب الذي قوض العلاقات اللبنانية - السورية التي استقرت نسبيا بعد توقيع اتفاق الطائف. غالبية الطوائف اللبنانية سكتت على الموضوع أو على الأقل لم تعد تعتبر استقالة الرئيس مهمة سياسية عاجلة. البطريركية المارونية مثلا كانت ضد التعديل والتمديد وتحولت الآن إلى مظلة طائفية - سياسية ترفض التطرق إلى الموضوع معتبرة أن أوان المسألة لم يقترب بعد. نواب "قرنة شهوان" تفرقوا على أجنحة وبات التيار الغالب يطالب بنسيان المسألة أو تأجيلها إلى موعد يتوافق عليه اللبنانيون. الجنرال ميشال عون قاد حملة رفض التعديل والتمديد من باريس وبعد عودته نفذ انقلابا ضد سياسته وتحول إلى صديق مخلص للرئيس والمرشح ضده في آن. قائد القوات اللبنانية سمير جعجع كان من أبرز المطالبين باستقالة الرئيس ودعا إلى عقد "قمة مسيحية" في البطريركية للاتفاق على مخرج والتفاهم على البديل... وعندما عاد إلى مقر إقامته في الأرز سحب اقتراحه. التبدل في المواقف لم يقتصر على الموارنة وغيرها من طوائف مسيحية، بل شمل أيضا الطوائف المسلمة. المسلمون أيضا تبدلت مواقفهم ولم تعد طوائفهم تطرق هذا الموضوع. وإذا تعرضت له تتحدث عنه بحياء وتواضع تاركة المسألة للطائفة المارونية والقرار النهائي للرئيس نفسه. تيار المستقبل مثلا الذي يقوده سعد رفيق الحريري لم يعد يعتبر الاستقالة من أولوياته. فهذا الموضوع مهم، ولكنه لا يريد الضغط باتجاهه حتى لا يفسر موقفه بأنه محاولة للتدخل في شئون قبيلة الرئيس "طائفته". وأيضا تيار اللقاء الديمقراطي الذي يقوده وليد جنبلاط لم يعد يشكل له بقاء الرئيس في بعبدا مشكلة دستورية سياسية. فجنبلاط أحجم منذ فترة عن التدخل في شئون مسألة تشكل حساسية عند الموارنة "قبيلة الرئيس". الكل إذا "أو غالبية الكل" متوافق على السكوت أو على الأقل متفاهم على عدم الإحراج. فكل طائفة تراعي الأخرى وتتفهم حساسيات الطرف الآخر في المعادلة اللبنانية الهشة. وهذا الأمر ان دل على شيء فإنما يدل على مستوى تخلف العلاقات السياسية على رغم مظاهر "الحداثة" و"التغريب" التي يراها المشاهد العربي في الفضائيات اللبنانية. لبنان بلد متخلف سياسيا. والدولة فيه مجرد مدير لعلاقات الطوائف التي تتوافق أو تتناحر على الحصص والمغانم تحت يافطات "اللبنانية" و"الوحدة الوطنية" وأحيانا "العلمانية" أو "التقدم". فكل هذه "الكليشهات" هي مجرد عناوين تخفي تحتها الكثير من التفصيلات والقراءات. وهذا هو "سر" الصيغة المتقلبة زئبقيا والمتلونة بحسب متغيرات الطقس وفضاءات "الشرق الأوسط" الإقليمية والدولية. "السر" في تبدل مواقف الطوائف على أنواعها من موضوعة التعديل والتمديد لم يعد سرا. فهو أصلا موجود في لعبة كراسي الطوائف ويتجاوز أيضا حدود احترام خصوصية كل طائفة وعدم التدخل في شئون القبيلة الأخرى. السر الذي انكشف علنا له علاقة بقوانين الصيغة من جهة، ولكنه يتصل بتلك الخفايا المرتبطة بالمتغيرات الإقليمية والدولية التي حصلت ويتوقع لها أن تحصل خلال السنتين المقبلتين وهي المدة المتبقية من ولاية الرئيس. التبدل إذا ليس له علاقة بتلك الأعراف القبلية ومنع القبائل "الطوائف الأخرى" من التدخل في شئون ابن القبيلة "الطائفة المارونية". فهذا هو الجانب المعلن من المسألة. أما الجوانب الأخرى وهي التي ستنكشف لاحقا فتتصل بمسألة الترقب والانتظار. فالطوائف على أنواعها تدرك أن تعديل الدستور والتمديد للرئيس لم يكن الدافع الحقيقي من وراء تحرك الدول الثلاث الكبرى "الولايات المتحدة، بريطانيا وفرنسا". فهذه كانت ذريعة للتدخل وتدويل الأزمة ووضع الملفات الثلاثة "سورية، المقاومة والمخيمات" على سكة تدفع بالقاطرة نحو التصادم والتقويض وعدم الاستقرار. التبدل في أمزجة الطوائف يمكن قراءة تحولاته داخليا وأيضا يمكن ربطه بتلك المتغيرات المتوقعة في المنطقة على المستويين الدولي والإقليمي. ولهذا السبب تم التوافق على السكوت وترك المسألة تأخذ مساحتها الزمنية... وبعدها يخرج الرئيس من قصره وينتخب غيره في ظل متغيرات إقليمية ودولية. فلماذا العجلة
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 1156 - الجمعة 04 نوفمبر 2005م الموافق 02 شوال 1426هـ