العدد 1155 - الخميس 03 نوفمبر 2005م الموافق 01 شوال 1426هـ

أكراد العراق يصنعون أسس دولة في الشمال

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

إنهم الرابحون في حرب العراق . 2003 وعلى رغم أنهم أيدوا الدستور العراقي الجديد فهم يفكرون بالمستقبل ويضعون منذ وقت أسس دولة كردية مستقلة عن العراق بانتظار الفرصة السانحة لإعلانها. كثير من الأكراد في المنفى بدأوا يبنون جسور الاتصال مع المناطق الكردية في شمال العراق ومنهم من عاد، فيما الأنباء تتحدث عن ازدهار الاقتصاد في شمال العراق في الوقت الذي تتواصل فيه أعمال العنف والتقتيل في سائر المناطق والمحافظات العراقية. من أولى علامات استقلال أكراد العراق تسيير رحلات جوية من أوروبا إلى كركوك، التي لا يخفي الأكراد حلمهم بأن تصبح عاصمة دولة كردستان. الجناح رقم 2 في مطار فرانكفورت. في هذا المكان تحدث قصة ستذكرها كتب التاريخ. منذ خمسة أسابيع يستقل أشخاص طائرة تابعة للخطوط الجوية الكردية Kurdistan Airlines وعلى الحقائب يجري إلصاق ورقة صغيرة تحمل اسم الشركة والوجه: KIK أي إلى مطار كركوك. لكن الرحلة تنتهي بالهبوط في مطار عسكري سابق كان سلاح الجو العراقي يستخدمه ابان عهد الرئيس السابق صدام حسين يقع شمال المدينة العراقية أربيل. المسافرون الذين يغادرون الطائرة بعد خمس ساعات ينتظرون ساعة واحدة على الأقل حتى ينتهوا من معاملات التفتيش وإجراءات الدخول وغالبيتهم يشعرون أنهم يشاركون في صنع هذه الحقبة من تاريخ كردستان. يشبه بدء أول رحلة جوية مباشرة من أوروبا إلى مدينة أربيل بالنسبة للأكراد، انهيار جدار برلين بالنسبة للألمان. قبل عشرين سنة لم يكن هناك وجود لهذه البقعة من الأرض على خريطة العالم. وقد شهدت معارك عسكرية بدءا بالحرب الكردية العراقية في السبعينات مرورا بالحرب العراقية الإيرانية في الثمانينات. ثم بعد حرب الخليج 1991 فرض حظر الطيران في أجوائها وأصبحت تخضع لحماية الحليفين الأميركي والبريطاني. ساعدت هذه الحماية الأطراف الكردية طوال السنوات الماضية في القيام بحرية بعمليات تهريب البضائع وبيع النفط العراقي في السوق السوداء كما قامت بتهريب السلاح. منذ نحو تسع سنوات يعم الهدوء في مناطق الأكراد في شمال العراق لكنه ليس السلام. يشمل هذا الهدوء محافظات أربيل ودهوك والسليمانية. حتى وقت قريب كانت خطوط الاتصال عبر الهاتف بالمناطق التركية تتم عبر أرقام شبكة للأقمارالاصطناعية تديرها شركة بمدينة لندن. في الغضون يوجد في هذه المحافظات خدمات إنترنت وشركات الهاتف الخليوي لكن لا أحد بعد يعرف كيفية التصرف إذا وقع في يده بطاقة ائتمان. بيد أن الأكراد وافقوا على الدستور العراقي الجديد، غير أنهم لا يعتقدون أن مستقبلهم ضمن دولة واحدة متعددة العرقيات، فهم يحلمون منذ زمن بعيد بالاستقلال وإعلان دولتهم كردستان. لا أحد من المحللين يتصور فعلا أن تحالف الأكراد مع الشيعة سيدوم طويلا وهذا التحالف مهدد بالشرخ. وكان الأكراد قد أصروا خلال مناقشة الدستور الجديد على تأسيس نظام فيدرالي يضمن لهم استقلاليتهم وممارسة الحكم الذاتي. يشير الأكراد العلمانيون مثل سنة العراق إلى خشيتهم من تأثير كبير للدين على نظام الدولة ومن أن يؤدي ذلك إلى زيادة نفوذ إيران داخل العراق. لا أحد يصف العلاقة بين الرئيس العراقي جلال طالباني وهو كردي، مع رئيس الحكومة الشيعي إبراهيم الجعفري بأنها طيبة، بل علاقة طالباني أقوى مع رئيس الوزراء السابق إياد علاوي الذي يخطط في الانتخابات المقبلة المقررة في ديسمبر لقيام تحالف علماني. أي طريق سيسير فيه أكراد العراق؟ كل الاحتمالات واردة لكن الأحب لقلوبهم لو يستقلوا ويعلنوا دولتهم المستقلة شرط أن تكون كركوك الغنية بالنفط عاصمة هذه الدولة. بينما يتابع العالم أعمال العنف والتقتيل في سائر مدن ومحافظات العراق، تشير وسائل الإعلام الغربية إلى أن شمال العراق يسوده الأمن والهدوء والازدهار الاقتصادي، ومن أبرز علامات ذلك القفزة الكبيرة نحو الاستقلالية من خلال تسيير رحلات جوية من وإلى أوروبا. مهما يجري في بغداد فإن الأكراد يديرون شئونهم بأنفسهم. من دون أي منطقة أخرى في العراق تجرى عمليات تعمير ملفتة للنظر، مد جسور وبناء أنفاق وشوارع سريعة ووصلها بمدن وقرى أخرى تقع تحت سيطرة الأكراد. على العكس من عمال البناء أو المستثمرين الموجودين على بعد 80 كلم في الموصل أو كركوك، لا أحد منهم يخشى على حياته من التعرض لاعتداءات ومنذ نهاية الحرب لم تقع عمليات انتحارية. في مناطق الأكراد التي توصف بأنها الأكثر أمانا يختار موظفو الشركات الأوروبية الإقامة في فنادق في أربيل والسليمانية. يحلم المستثمرون بالحصول على أرباح طائلة من وراء النفط. منذ أشهر يتجول ممثلو شركات أميركية وأوروبية في مناطق شمال العراق وقال ممثل شركة بترول كندي: نحن ننتظر الحصول من الحكومة المحلية الكردية على ترخيص للبدء بالتنقيب عن النفط واستخراجه ثم أضاف قوله: تجاهل النظام السابق العمل بالتنقيب عن حقول جديدة ونعتقد أن هناك فرصة كبيرة بأن تصبح كردستان مونت كارلو جديدة في مدة أقصاها عشرة أعوام. بينما يهاجر أصحاب الكفاءات السنة من أطباء ومعلمين وفنيين هربا من الأوضاع الأمنية الخطيرة في مناطقهم، وتعود أعداد متزايدة من أكراد المنفى. ناريمان هافرامان "25 سنة" الذي نشأ في السويد ودرس فيها، يعمل في الغضون محاميا متخصصا بقضايا الاقتصاد في مدينة السليمانية. وهو يقدم المشورة للمستثمرين الأجانب ويقول إن لديه خططا كثيرة منها تنمية وتطوير السياحة، مشيرا إلى الحياة الليبرالية في السليمانية إذ قال: لا أحد هنا يحتج إذا قام شخص بتناول الجعة خلال شهر رمضان. وأضاف: يتعين علينا إنشاء كازينوهات وإقامة منشآت التزلج على الجليد كي نجتذب جموع السياح من إيران ودول الخليج. يشير بعض المراقبين إلى أن عمليات التعمير في شمال العراق تذكر بالنهضة البنيوية التي شهدتها دول الخليج العربية. على مساحة مليون متر مربع في غرب مدينة أربيل يجرى بناء وحدات سكنية ومكاتب ومحلات تسوق يحمل المشروع اسم مدينة الحلم. يعرض فيلم عن المشروع على شاشات كبيرة في الفنادق الكبيرة للفت انتباه رجال الأعمال الأجانب. من المخطط أيضا بناء شوارع على الطريقة الأميركية ومجمعات تسوق ومواقف للسيارات ومدرسة دولية وتشرف شركة خاصة على أمن المكان. المشروع مستوحى من مشروعات مماثلة تمت في دبي. قبل تسيير رحلات الخطوط الجوية الكردية إلى فرانكفورت تم تسييرها إلى دبي التي يراها الأكراد نموذجا لدولتهم القادمة. غالبية الصفقات التجارية يعقدها الأكراد مع دبي. يقوم تجار الحلي والمجوهرات في دهوك وأربيل والسليمانية بشراء بضائعهم من سوق الذهب في دبي وكذلك السيارات والبرادات ومنشآت التكييف. ويسافر رجال أعمال ومحامون أكراد باستمرار إلى دبي للحصول على دروس في إدارة الأعمال ويحلمون بغد تصبح فيه كردستان مونت كارلو الشرق الأوسط. قبل أن تتحقق نبوءتهم ينبغي انتظار زمن طويل. بعد كل ساعتين تتعطل الكهرباء في السليمانية، الطرقات التي تعمل في تشييدها شركات تركية وإيرانية تكثر فيها الحفرات والبنية التحتية على الأرض عوضا عن مستوى التعليم والتعليم العالي في مستوى دولة نامية. الفساد في كردستان ليس أقل منه في بغداد وقد زاد انتشارا في السنوات الأخيرة ما أدى لاختفاء ملايين الدولارات في جيوب المسئولين المحليين. في رؤية الرئيس العراقي جلال طالباني الذي يناديه الشباب الأكراد بالعم جلال، بشأن مستقبل كردستان يرى خلافا لمنافسه المحلي مسعود بارزاني عدم وجود قاعدة صلبة لإعلان دولة كردية في الوقت الحاضر وقال: ماذا سيفيدنا الاستقلال لو كنا محاصرين من بلدان أخرى في جميع الاتجاهات. في سورية وتركيا وإيران أقليات كردية تراقب ما يجري في شمال العراق. ليس من المنتظر أن توافق أي من هذه البلدان على قيام دولة كردية في جوارها. لكن منذ الثالث من أكتوبر / تشرين الأول مع بدء مفاوضات الاتحاد الأوروبي مع أنقرة بشأن العضوية الكاملة في المستقبل أصبحت تركيا ملتزمة أكثر تجاه الأكراد على رغم مناهضتها لتأسيس دولة تركية في الجوار العراقي. يحلم الأكراد بقيام حدود لدولتهم القادمة مع الاتحاد الأوروبي. تنازلت تركيا بعد مفاوضات مضنية وسمحت بعبور طائرة الخطوط الجوية الكردية أجواءها باتجاه فرانكفورت. منذ ذلك اليوم يجري العمل على قدم وساق من أجل تسيير رحلات جوية أخرى إلى لندن وباريس واستوكهولم.

العدد 1155 - الخميس 03 نوفمبر 2005م الموافق 01 شوال 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً