أعلن السيد محمدحسين فضل الله، رفضه أن يتحول لبنان إلى موقع اقتصاص من هذا الموقع العربي، أو ذاك الموقع الإسلامي لحساب "إسرائيل" وأميركا. وحذر من أن الهجوم الثقافي والفكري على الإسلام بلغ مستوى خطيرا، مشيرا إلى أن إثارة الجانب المذهبي على حساب التصدي للهجمة الكبرى التي تستهدف الإسلام، يمثل خيانة عظمى، ولفت إلى أن المشروع الأميركي دخل في سباق مع الزمن بعد انتكاساته أو نجاحاته في المنطقة، داعيا الأمة إلى التصدي له ومقاومته بكل الإمكانات. وجاءت مواقف فضل الله هذه في خطبة عيد الفطر التي ألقاها من على منبر مسجد الإمامين الحسنين "ع"، في حارة حريك، وجاء فيها: إن العيد يمثل انطلاقة جديدة في خط المسئولية، كما مثل الصوم انطلاقة في الخط نفسه، فلقد جعل الله شهر رمضان مضمارا للناس في حركتهم لتلمس مسئولياتهم في الدنيا انطلاقا من الأجواء الروحية والعبادية والثقافية والسياسية التي يوفرها لهم كمعراج إلى الآخرة وكسبيل للنجاة في الدارين، على أساس أن القيام بالمسئولية في القضايا العبادية وفي قضايا الأمة يمثل حركة واحدة في المعيار الديني الإسلامي. وإذا كان العيد يمثل القيمة من خلال إخلاص الإنسان لهذه القضايا ولمسئولياته تجاه نفسه وتجاه ربه وتجاه الناس من حوله، فإننا نستطيع أن نحول أيامنا جميعا إلى أعياد، إذ قال الإمام علي "ع" متحدثا عن عيد الفطر: "إنما هو عيد لمن قبل الله صيامه وقيامه، وكل يوم لا يعصى الله فيه فهو عيد". وكما أن العيد يحمل معنى قيميا في حركته وأبعاده ليمثل عيدا إسلاميا فيما هي قيم الإسلام التي يراد لها أن تتجسد في الحياة، فإن شهر رمضان يمثل هذه القيمة في روحانيته وفي أبعاد الصوم الكبرى وفي الانفتاح على الله، ومن خلاله على قضايا الأمة في ما هي عزتها وقوتها وكرامتها... فلقد مثل شهر رمضان العزة من أبرز أبوابها في مسألة القوة الإسلامية في مواجهة غطرسة المستكبرين، كما مثل رمز الانتصار الكبير في معركة بدر، كما في فتح مكة وغيرها من المناسبات التي كانت حافزا للمسلمين من قبلنا ونريد لها أن تستمر كحافز وكدافع للشعوب الإسلامية وللدول الإسلامية لتعمل على بناء قوتها في مواجهة حالات الإرهاب العسكري والفكري والسياسي الذي ينهال عليها من كل حدب وصوب، وخصوصا في هذه الأيام وفي هذه المرحلة بالذات. إننا نشهد نوعين من أنواع التهويل اللذين يمارسان على الأمة، تهويل يراد له أن يضخم حجم حركة العنف والتهديد التي قد تنطلق من بعض القوى داخلها كرد فعل في غالب الأحيان على حركة الإرهاب الخارجي، وتهويل عليها لإخضاعها وإسقاطها والإيحاء لها بأن الزمن توقف بها عند لحظة السقوط والإذعان، حيث لا سبيل للاستمرار إلا بالتوقيع والتزام الصمت أو التسبيح بحمد أميركا وانتظار موافقتها على هذه المسألة أو تلك. وفي ظل ذلك، يراد تصوير الأمة على المستويين الإعلامي والسياسي، كمجموعة تحمل أمنيات وطموحات إمبراطورية تسعى لقيام إمبراطورية "من إندونيسيا إلى إسبانيا"، كما يقول الرئيس الأميركي، ليصار إلى الضغط عليها بموافقة أمم الأرض كلها على أساس أنها تشكل التهديد للسلم العالمي، ولذلك فنحن ننظر بكثير من الخطورة إلى ما يعمل الإعلام على تقديمه في هذه الأيام من صور تشويهية لأكثر من موقع إسلامي أو عربي لإبرازه كمصدر تهديد للسلم العالمي، بعدما أقر كثير من الشعوب الغربية وخصوصا الأوروبية منها، بأن "إسرائيل" تمثل التهديد الأول للسلم العالمي، ومن هنا تتحرك بعض الدوائر في الإعلام الغربي والتي تعمل بطريقة غير مباشرة لحساب "إسرائيل" لتضخيم صورة إيران وإمكاناتها النووية السلمية أو طاقاتها وخبراتها العسكرية لتقديمها كموقع يهدد جيرانه ويهدد العالم، في الوقت الذي يعمل فيه على تسريع خطوات التطبيع مع الكيان الصهيوني. إننا نحذر المسلمين والعرب من هذه اللعبة الإعلامية الاستخبارية الممهدة لتحركات سياسية وأمنية، كما نحذرهم من أن الهجوم الثقافي والفكري على الإسلام كدين بلغ مستوى خطيرا بات معه السكوت أو الصمت أو المسايرة أو الحديث عن انتظار الظروف القادمة والفرص المتاحة بعدها يمثل خيانة كبرى، كما أن العمل في الوقت نفسه على إثارة الجانب المذهبي على حساب التصدي للهجمة الكبرى التي تستهدف الإسلام يمثل خيانة عظمى، ولذلك علينا أن نقول لمن يتحرك في جوانب الإثارة المذهبية أو في الحساسيات الحزبية والسياسية الداخلية: اتقوا الله في كلماتكم وحركتكم، ونقول لهم ما قاله الإمام علي"ع": "... ما لكم أتريدون أن تكفئوا الإسلام على وجهه". وما قاله في كلمة أخرى: "إن أعظم الخيانة خيانة الأمة وأفظع الغش غش الأئمة". إن علينا أن نقف مع الشعب العراقي لندعم خياراته، ولكن في نطاق وحدته الداخلية إسلاميا وعربيا وعلى جميع المستويات وعلينا كمسلمين وكعرب أن نرصد المشروع الأميركي في المنطقة في انتكاساته وفي عناصر القوة التي أخذها بفعل أخطائنا وتمزقاتنا وبفعل حال انعدام الوزن التي تعيشها الأنظمة وتعكسها على الشعوب، لنعد الخطط المضادة لإسقاط هذا المشروع الذي يمارس في هذه الأيام حال تهويل غير عادية على أكثر من دولة من دولنا وعلى أكثر من موقع من مواقعنا لأنه ينظر إلى فرص نجاحه واستمراريته من زاوية سباقه مع الزمن، وهكذا فعلينا أن نعمل ليكون هذا الزمن زمنا مقاوما بالكلمة والموقف وبالحركة الميدانية حتى تنبض المرحلة كلها في مواجهة المشروع الأميركي والمشروع الصهيوني مهما أوحى الأميركيون والصهاينة بأن المنطقة باتت بأيديهم، وأن الثمار العربية والإسلامية اليانعة أصبحت على قاب قوسين أو أدنى من أن تسقط لحسابهم. وإن علينا أن نظل مع القضية الأم، قضية فلسطين، تعيش في وجداننا كأمة وأن نتحسس مسئوليتنا اليومية في الدفاع عن أهلها وخصوصا في هذه المرحلة التي يراد فيها مصادرة القضية في ظل أجواء الضعف والانهيار التي يراد إسقاطها على الفلسطينيين ليأخذ جبل الضعف العربي الذي يهوي من خلال وجع الأنظمة وخوفها على الشعب الفلسطيني فيقال له: سلم تسلم، أو وقع ثم نبحث بمصيرك بعد توقيع صك الاستسلام، وهيهات للفلسطينيين أن يسيروا في هذا الخط وهيهات للأمة أن تقبل. أما في لبنان فنريد للمسلمين والمسيحيين فيه أن يتطلعوا إلى رسم مستقبل جديد لبلدهم بعيدا عن تدخل الخارج، وأن يدرسوا خطواتهم بدقة، وألا يكونوا صدى للآخر في الحكم على أوضاعهم أو على ما يدور من حولهم وألا يسقطوا أمام تهاويل أميركا و"إسرائيل" وأن يعملوا لبناء وحدتهم السياسية والحضارية الإنسانية بصلابة وكرامة ليمنعوا قوى الوصاية الجديدة من استخدام لبنان كساحة من ساحات الاقتصاص من هذا الموقع العربي أو الإسلامي لحساب "إسرائيل" وأميركا. إن على اللبنانيين أن يكونوا على حذر حيال ما يصدر عن المواقع الدولية ليمنعوا هذه المواقع من تمرير سياستها واستراتيجيتها من خلالهم، خصوصا في الوقت الذي نلمس خضوع هذه المواقع للإدارة الأميركية وانصياعها لحساب البرامج التي تعدها هذه الإدارة. إن علينا أن نعمل لحساب بلدنا ولحساب مصلحتنا الوطنية والعربية والإسلامية، لا أن نكون صدى لمشروعات الآخرين من حيث ندري أو لا ندري.
إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"العدد 1155 - الخميس 03 نوفمبر 2005م الموافق 01 شوال 1426هـ