أنهى أمس مجلس الأمن مناقشاته الحامية لمشروع القرار الذي تقدمت به الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا بشأن متابعة التحقيق في موضوع اغتيال رفيق الحريري. وصدر حاملا الرقم 1636 بحضور 12 وزير خارجية وبإجماع 15 دولة، ويستند إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. فقرات القرار سلبية في أسلوب التعاطي مع تداعيات الجريمة وهي تهدف في النهاية إلى تقسيط التعامل مع الموضوع على دفعات وحقن "فيروس" التدويل على جرعات. فالقرار الذي صدر بنصه المرفوع من دون تعديل جوهري يعني في النهاية وضع النظام السوري تحت مجهر المراقبة والمتابعة لمدة زمنية قصيرة تنتهي في 15 ديسمبر/ كانون الأول المقبل. وهذا في منطق السياسة استدراج دمشق إلى دائرة مقفلة توفر للدول الكبرى الثلاث مساحة للمناورة والضغط باتجاهات لا تتصل بالضرورة مع موضوع جريمة الاغتيال. القرار الذي أصدره مجلس الأمن يشبه كثيرا تقرير "لجنة التحقيق الدولية بشأن العمل الإرهابي". فالتقرير الذي قدمه رئيس اللجنة ديتليف ميليس مزج بين الظنيات والمعلومات وقام بعملية تركيب بين الجانب الأمني/ القضائي والجوانب السياسية لينتهي بما معناه... ان التحقيق ليس كاملا وتنقصه الكثير من الحيثيات والقرائن. وهذا النقص - وهنا بيت القصيد في تقرير ميليس - تتحمل مسئوليته دمشق. وحتى تكتمل عناصره وتنكشف الحقيقة كلها لابد من دول مجلس الأمن الضغط على سورية لاقناعها بضرورة التعاون لتعيين الأطراف التي خططت ومولت وسهلت ونفذت الجريمة. وهذه الخلاصات التي انتهى إليها تقرير ميليس التمهيدي استغلتها الدول الثلاث الكبرى وقامت في ضوء إشاراتها الواضحة بالبناء عليها وتأسيس الهجوم السياسي المضاد محملة دمشق مسئولية العرقلة ومخالفة القرارات الدولية. انها لعبة دولية/ سياسية يتم تمريرها وفق صيغ قانونية تدريجية "خطوة خطوة" للوصول إلى أهداف أكبر بكثير من جريمة الاغتيال. فالجريمة واسطة قانونية "مغلفة دوليا" تضغط على الأطراف المستهدفة جرعة جرعة حتى يعطي الطعم مفعوله. القرار 1636 يتطابق في حيثياته مع تلك الاستنتاجات السياسية/ الأمنية التي صاغها ميليس في تقريره. فالتقرير وضع أدلة تحليلية رسمت خريطة طريق توقفت أمام عتبات أبواب رئاسية كبيرة. وانتهى طالبا من مجلس الأمن مساعدته في الحصول على مفاتيح تلك الأبواب حتى يستكمل تحقيقه الجنائي. هذا الوضوح في الجانب التحليلي لوقائع الجريمة شابه الغموض في الجانب التركيبي لمجرى ذاك العمل. والسبب برأي ميليس يعود إلى عدم تعاون دمشق في موضوع التحقيق. فالنقص في الأدلة وعدم وجود قرائن تتحمل مسئوليته جهات أمنية وسياسية عطلت أو عرقلت تحقيقات اللجنة. المسألة إذا واضحة منذ البداية وتقرير ميليس اعطى شرعية قانونية للدول الكبرى الثلاث للتحرك في ضوء ما طلبه وتمناه. وعلى هذا الأساس صاغت أميركا وفرنسا وبريطانيا مشروع قرارها الذي صدر أمس عن مجلس الأمن. القرار واضح في استهدافاته منذ البداية. فهو يقول أو يطلب من سورية التعاون حتى يكتمل التحقيق ويتم التعرف على الجهة التي ارتكبت الجريمة. كذلك يشترط القرار مجموعة نقاط تضع النظام في دائرة مقفلة وهي تسليم كل الأسماء التي وردت في التقرير من دون شروط مانحا اللجنة صلاحيات استثنائية في تحديد مكان التحقيق والأسلوب الذي تراه مناسبا. وهذه الشروط توافقت عليها دول مجلس الأمن في قرارها وبالتالي خرجت المسألة من موقعها الأمني والقضائي ورفعت إلى مكان سياسي أعلى بكثير من دائرة التحقيق في الجريمة. السجالات انتهت في مجلس الأمن وصدر القرار في صيغة تقترب كثيرا من تلك التي افصح عنها ميليس في تقريره. والصيغة كما تدل الفقرات هي ممارسة الضغط على سورية "جرعة جرعة" وليس دفعة واحدة... خوفا من تداعيات إقليمية غير محسوبة سياسيا.
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 1152 - الإثنين 31 أكتوبر 2005م الموافق 28 رمضان 1426هـ