الاقتصاد ينمو، الاستثمارات تكثر والكل يريد حصته. فمنذ السنوات القليلة الماضية تتمتع منطقة الخليج بوفرة السيولة. أينما نظرنا نجد دلائل هذه السيولة، من أسواق العقار إلى أسواق الأسهم. من الضغوط على أسعار مواد البناء إلى زيادة التداول في الأسهم. كل هذه الوقائع الاقتصادية تلعب دورا مهما في تشجيع الناس على الاستثمار. ولكن كثرة السيولة ليست مبررا للتسرع في الاستثمار بالمشروعات. مهما كان قطاع الشركة، أو مجال الفرد المستثمر، لا يمكن أن نقلل من ضرورة فهم مصادر هذه السيولة وتأثيرها على المدى الطويل الأمد على اقتصاد المنطقة والمشروعات الراهنة. إن سيولة المنطقة ناتجة عن عدة عوامل، منها انخفاض أسعار الفائدة، عودة الأموال إلى المنطقة من الخارج بعد حوادث 11 سبتمبر/ أيلول ،2001 وأخيرا ارتفاع سعر النفط. ولا بد للمرء أن يدرك أن تركيز الأموال وكثرة السيولة في المنطقة أمر مرغوب وضروري للازدهار. وهذا صحيح، لكن الأهم هو أن ندرك أن هناك عدة عوامل يجب أخذها في الاعتبار قبل القيام بالمشاركة في هذا النمو. فنرى أن الموارد تستنزف في أوقات ازدياد النمو ما يؤدي الى عدم الكفاءة في الاستثمار. وهنا نأتي إلى محور الكلام، وهو أهمية تنسيق قيام المشروعات مع بعد نظر مدروس. تحدثت قبلا مع أحد الزملاء المصرفيين الذي أشار إلى قلة اجتهاد عملاء المصرف في الآونة الأخيرة وعدم جديتهم، واهتمامهم بالأمور السطحية للمشروعات المعروضة للاستثمار. ويواجه بعضهم صعوبات في حصد المردود المتوقع من استثماراتهم. والسبب هو قلة الانتباه وكثرة أخذ المخاطر غير المدروسة وهذا راجع إلى المناخ الذي يسود اقتصاد المنطقة. اليوم لدينا "فرصة لا تعوض"، و"الطلبات متزايدة والكمية محدودة" كأمثلة تصور نوعية العقلية السائدة في اختيار فرص الاستثمار. لدينا من عملاء المصرف اثنان. واحد شرع ببناء مبنى ضخم في منطقة مرموقة عن طريق تسهيلات مع نية البيع وجني ثمار نشاط سوق العقار. والآخر قام بتشييد مصنع لمواجهة الطلب المتزايد للمنتج. المستثمر الأول يواجه حاليا صعوبة في البيع، وخصوصا أن الراغبين في الشراء لديهم خيارات كثيرة من ناحية، ويواجهون زيادة في أسعار الفائدة من ناحية أخرى. في هذه الحالة نجد دراسة مبسطة لمشروع المبنى، قصيرة النظر، من دون الأخذ في الاعتبار عوامل اقتصادية متوسطة وطويلة المدى. صاحب المبنى أدرك خطأه بحسب قول زميلي المصرفي، ولكن بعد سحب السيولة المتوافرة إليه وربطها في مبنى شاغر. أما العميل المنشئ للمصنع وضع دراسة جدية تأخذ في الاعتبار زيادة العرض عند اكتمال إنشاء المصنع بسبب المصانع الجديدة الاخرى، وأيضا احتمالات زيادة فائدة التسهيلات، ومدى تأثير هذه العوامل على قيمة المشروع. حتى لو أن مشروع العميل الأول ومشروع العميل الثاني يختلفان مبدئيا إلا أنهما يتضمنان العامل الزمني، والذي تزداد أهميته كلما زاد النشاط المالي في الاقتصاد. ربما لن نعرف مدى صحة الاستثمار في تشييد المصنع إلا بعد تشغيله، ولكن قام صاحب هذا المشروع بتقليل الخطورة عندما اخذ في الاعتبار عوامل عدة. وهو درس المشروع تحت ظروف اقتصادية متغيرة، ما يمنحه فرصة أفضل لضبط سيولته وتسهيلاته قبل البدء
العدد 1151 - الأحد 30 أكتوبر 2005م الموافق 27 رمضان 1426هـ