وضعت الجمهورية السورية أمام خيار صعب، إما التعاون مع لجنة التحقيق الدولية في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري أو الاستمرار في نفي أي تورط لها في هذه القضية مع المجازفة بالتعرض لعقوبات دولية قاسية. ويبدو أن دمشق اختارت الخيار الأول وهو التعاون وأعلنت أنها ضبطت حدودها مع العراق كما أنها نأت بنفسها عن الفصائل الفلسطينية. بيد أن سورية ظلت حازمة فهي دوما تطالب بأدلة قبل تسليم أي مشتبه فيه للجنة التحقيق التي يرأسها ديتليف ميليس، وذلك قبيل الاجتماع الوزاري في مجلس الأمن الذي يتوقع أن يصدق اليوم على قرار يدعوها للتعاون الكامل تحت طائلة العقوبات. وأبدى الرئيس السوري بشار الأسد من جانبه شيئا من الحصافة بإصداره مرسوما بتشكيل لجنة قضائية خاصة تتولى مباشرة إجراءات التحقيق. وفيما يتعلق بالضغوط المتعلقة بقضية الشرق الأوسط والدعوة التي وجهتها اللجنة الرباعية لدمشق بإغلاق مكاتب حركة "الجهاد" الفلسطينية، أكدت الخارجية السورية أن مكاتب الحركة مغلقة منذ فترة سابقة. وهكذا نجد أن دمشق تريد سلاما ولكن بكرامة وعزة فهي وضعت شروطا لتتعاون مع ميليس، إذ قال المستشار القانوني للخارجية السورية رياض الداوودي "لا يمكن وضع رئيس جهاز الاستخبارات السوري في السجن لمجرد أن ميليس يريد وضعه في السجن"، مضيفا "لتنفيذ ذلك عليه إظهار أدلة". وفي الواقع ليس هناك شيء يسمى "تعاونا كاملا" وفقا لتصور ما يسمى بالمجتمع الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة التي تسعى إلى تسييس التحقيق بحيث تستفيد ربيبتها "إسرائيل" من ورائه وتحصل على تنازلات في مسار التفاوض مع السوريين. إن التعاون الكامل يعني المساس بالسيادة الوطنية مع المخاطر التي تنطوي على ذلك بالتضحية بمسئولين كبار. وطبعا إذا شككت لجنة ميليس مرة أخرى في تعاون سورية فستخضع البلاد كلها لعقوبات قد لا تطول أفرادا فقط كما تدعي واشنطن. إن سورية بحاجة اليوم إلى وقفة جميع أشقائها معها، فالمتهم بريء حتى تثبت إدانته. ولذلك ينبغي أن تظهر الدول الخليجية، في الجولة التي يقوم بها للمنطقة نائب وزير الخارجية السوري وليد المعلم، تضامنا عربيا أكبر وتسدي له النصائح للخروج من هذه الأزمة قبل أن يحل ببلاد الشام ما حل ببلاد الرافدين
إقرأ أيضا لـ "عزوز مقدم"العدد 1151 - الأحد 30 أكتوبر 2005م الموافق 27 رمضان 1426هـ