العدد 1149 - الجمعة 28 أكتوبر 2005م الموافق 25 رمضان 1426هـ

الشهر الكريم أم الفضيل؟

علي محمد فخرو comments [at] alwasatnews.com

مفكر بحريني

إن الإشارات الرمزية في الكلمات تحدد في كثير من الأحيان الأسباب وراء انتشار هذه الكلمة وانزواء وخفوت تلك. إن نظرة واحدة على كل وسائل الإعلام العربية ترينا أن وصف شهر رمضان بالكريم أصبح هو السائد، بينما انزوى الوصف الثاني الذي كنا نسمعه متداولا في الماضي فنادرا في أيامنا هذه يسمع أو يقرأ الإنسان وصف شهر رمضان بالفضيل. ليست هذه قضية هامشية كما قد يتصور البعض، فهي مرتبطة بحسن الاستعمال أو بسوئه لهذه المناسبة الدينية، بل هي مرتبطة بأعماق الهدف الرئيسي الذي يكمن وراء هذه الشعيرة، دعنا نسبر غور الموضوع قليلا. فإذا كان الوصف الشائع الراسخ في أذهان المسلمين هو كلمة كريم فإن النشاطات والممارسات للمسلمين الصائمين ستتركز على مفهوم الكرم عندهم. وليس بخاف أن العرب قد أعطوا أهمية كبرى لهذه الممارسة الاجتماعية سواء على مستوى الفرد أو الجماعة. وككل العادات فقد مورست بصورة معقولة أحيانا كما ابتذلت في أحيان آخر. ولقد خضعت لمنطق العصور ومنطق الجماعات أيضا. لكن من المؤكد أن الصفة الغالبة للكرم العربي هي المبالغة في الإكرام إلى حد التبذير وذلك من أجل الاحتفاظ بالمظهر الاجتماعي الحسن الذي يمارسه العربي بهوس وقلة رزانة. هذا الفهم الخاطئ المتراكم عبر العصور لا يمكن إلا أن يعكس نفسه على كل النشاطات الإنسانية خلال شهر الصيام بعد أن ارتبط من خلال وصفه بالكريم بكل إشكالات الكرم العربي من تخمة في الأكل وتبذير في الطبخ والشراء وتكريم لغير المستحقين ومظهرية لخداع النفس وخداع الآخرين. أما إذا أعدنا الصفة القديمة المهجورة إلى الساحات الإعلامية وبالتالي إلى وعي الإنسان العربي المسلم فإننا سنساهم في تغيير رمزي عميق لمعنى شهر الصيام. وسيكون المدخل هو الربط اللغوي والرمزي بين صفة الفضيل وبين الفضيلة. هنا سينقلب شهر رمضان إلى شهر تعويد النفس على ممارسة قيم الفضيلة الكبرى من مثل الرحمة والتعاطف والتسامح والكرم والعدالة والصبر والنقاء وحب الآخرين. ولما كانت الفضيلة ليست حالا فكرية فقط وإنما هي حال في الواقع، أي أنه لا قيمة للادعاء بالفضيلة إلا بممارستها الفعلية فإن شهور رمضان ستصبح في حياة الإنسان العربي المسلم أوقات محاولات جادة للارتقاء بإنسانية الفرد والجماعة والمجتمع، فالإنسان لا يولد فاضلا على الطبيعة وإنما يكتسبها عبر حياته. لقد ساوى الفلاسفة اليونانيون والرومانيون القدامى بين كلمة الفضيلة والتميز، وطبعا كان المقصود هو التميز الأخلاقي والتميز في المستوى الإنساني، ولو أردنا تلخيص ديننا الإسلامي الحنيف في كلمتين لكانتا التوحيد والفضيلة، فالتوحيد هو المدخل لعلاقة الإنسان بالكون على أسس روحية تحرره من عبوديات الأرض، والفضيلة هي المدخل والجامع لكل القيم الإسلامية الكبرى التي سطعت في القرآن الكريم وفي السنة النبوية المؤكدة. لقد آن الأوان للانتقال بشهر رمضان إلى مستويين يحررانه مما علق به عبر العصور من شوائب، المستوى الأول هو تحريره من الممارسات الحسية التي تنتمي إلى صفة الكرم من مثل التركيز على قضايا الطعام والشراب والشهوات الجسدية والحياة الاجتماعية الليلية والمسلسلات التلفزيونية بل وحتى الصلاة غير الخاشعة. والمستوى الثاني هو إدخال الجانب الروحي بقوة وعمق لتعزيز الجوانب الفقهية والتنظيمية التي تطغى على الأحاديث الرمضانية في كل الوسائل الإعلامية. هذا الجانب الروحي، إذا ما عزز فكرا وممارسة، هو الذي سيقلب هذا الشهر الفضيل من ممارسة لعادات اجتماعية فيها الغث وفيها السمين إلى فترة صفاء روحي يسمح بممارسة أنبل ما في الفضيلة من قيم إلهية وإنسانية رائعة. * مفكر بحريني

إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"

العدد 1149 - الجمعة 28 أكتوبر 2005م الموافق 25 رمضان 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً