العدد 1148 - الخميس 27 أكتوبر 2005م الموافق 24 رمضان 1426هـ

الولايات المتحدة... أشباح تشغلها أحلام الطفولة

عادل مرزوق Adel.Marzooq [at] alwasatnews.com

-

ثمة "وهم دولة" نقوم بتخيله حين نفترض وجود دولة تدعى "الولايات المتحدة"، فالحقيقة أنها ليست دولة منظمة اجتماعيا كما تذهب مفاهيم الدولة الحديثة منذ عهد روسو وما بعده. ثمة تشكيل سياسي اقتصادي ديني عسكري غريب التكوين، يتنظم -إن افترضنا انتظامه - بشكل "شبحية دولة"، هي صورة ناطقة حقيقية لاضمحلال الدولة وانتهاء أسطورتها، تارة بوساطة ناجحة من تعقيد الإنسان نفسه، وبمقتضيات العولمة الرأسمالية الجديدة تارة أخرى. لا يسعنا أحيانا إلا أن نصدق اللعبة كاملة، فنصدق فرانسيس فوكوياما وصمويل هنتنغتون، بشأن نهاية التاريخ والتنظيم الذاتي للسوق المشيدة على قانون نهائي ينظم البشرية ويرعى مصالحها، وهكذا ينتج الفكر الأميركي ما يسميه بالديمقراطية الإلكترونية في السوق. وهنا تحديدا شبح الدولة الجديدة. هذا الوهم ليس مقتصرا على المراقبين للولايات المتحدة، بل هو يصل فيما يصل إلى أرباب التأسيس له، أي الأميركيين أنفسهم. الخطاب السياسي الأميركي يعتقد -واهما- أن كل القيم التي أسسها الأجداد هي قيم مازالت باقية، وأن الحقيقة النهائية - وخصوصا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي- هي بقاء النظام الأميركي وديمومته. وبعيدا عن سذاجة بعض التحليلات السياسية والثقافية والاجتماعية الذاهبة إلى انهيار الولايات المتحدة عاجلا، فإن الواقع يقول، أن ليس ثمة ما ينهار في الولايات المتحدة سوى "منظومتها المعقدة" في تفكيكية خطرة تنبئ بالسوء. في واقع الحال، ليست هناك دولة منظمة حتى تنهار أو تضمحل لتقوم قوى اجتماعية بمرحلة تأسيسية جديدة، لذلك تحديدا انتهجت الولايات المتحدة سلوكا طفوليا بعد الحادي عشر من سبتمبر/أيلول أكثر مما كان يجب أن يكون تصرف الدولة الراشدة، ولعل في هذه النقطة "اختلافات كبرى" في التحليل، فهل كانت الولايات المتحدة ذكية في خياراتها أم انها كانت تنتهج سلوك "مراهقة إمبراطورية". قد يصعب التوصل إلى توصيف دقيق لهذه الحال، إلا أن الأميركيين ببساطة لا يتمحورون في نسق دولة، بقدر ما يتمترسون خلف ما يسمى بـ "الحلم الأميركي"، وطبعا للحلم في تكونه النفسي دلالته التي تتفاصل مع الواقع ومقتضياته. هذا الحلم ينظمه أحد الكتاب الفرنسيين بالثالوث المقدس: "الاقتصاد، الجيش، والرب"، فأي نهاية نضعها للولايات المتحدة هي في حقيقتها نهاية حلم، لا نهاية حقيقة. ولأن الولايات المتحدة ليست وجودا قارا ثابتا، فإنه لا يوجد لها أعداء دائمون، أو أصدقاء دائمون. اعتقد أن لا أحد يستطيع أن يمثل منطقة الصداقة أو العداء مع الولايات المتحدة على المطلق من تحليلي، والشواهد عدة، فالسلوك التقليدي في السياسة سلوك تبرره علوم الاجتماع، والولايات المتحدة ليست كائنا اجتماعيا البتة. لذلك، لا نستطيع أن نعرفها، أو أن نفهمها، أو أن نصادقها، أو أن نعاديها، فالمعادلة في تمثيلها البياني ليست متكافئة، إذ إن الولايات المتحدة هي الحضور الذي لا يحس به سياسيا على رغم أن البعض يعتقدون أنها "ثقيلة على صدورهم". تمثل الإمبراطورية الأميركية ،5 4 في المئة من سكان العالم، وتنتج 30 في المئة من الخيرات والخدمات في العالم، وحصتها من الاتصالات على شبكة الإنترنت تمثل 40 في المئة. وأخيرا تستطيع الولايات المتحدة أن تتجسس على أكثر من خمسة ملايين رسالة إلكترونية وصوتية في الدقيقة الواحدة، وهي مع كل ما ذكرت لا تتصرف تحت سلوك الدولة أو الإمبراطورية التوسعية، فهي على الأقل لا تسعى إلى أن تحتل المكسيك على رغم أن 95 في المئة من المكسيكيين يتمنون ذلك! هذه الأرقام ودلالاتها تتسق معا في طابع أفقي لتنتج صورة من الفوضى البناء، وأقول الفوضى البناء، لأن هذا التوصيف هو ما اتفق الكثير من نخبة السياسة الأميركية على اعتماده "توصيفا للحلم الأميركي في حالته اليوم". وهذه الدلالات فيها عبرة لمن يعتبر إن أراد قراءة الأمر فوق النتائج التاريخية لعقولنا المريضة بهوس التآمر، وفي ذلك يا قوم شيء من الحكمة

إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"

العدد 1148 - الخميس 27 أكتوبر 2005م الموافق 24 رمضان 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً