في عالم يغيب فيه العقل وتكثر فيه غريزة الصراخ، تموت فيه الإنسانية وتضيع معايير الحقيقة، بحاجة إلى أن يتوقف أمام حكم العظماء. اقف امام نهج البلاغة فأقرأه قراءة العقل الذي يقود إلى الوعي والنضج والاعتدال والوسطية أيضا. لا أريد أن اعلق على كلام هذه القامة العلوية فليس بوسع الكلمات الا الانحناء. سأطرح درره عليكم، ودعونا نعرض عقولنا وواقعنا السياسي والثقافي والاجتماعي عليه كمسلمين ربما يقودنا ذلك الى معرفة المفارقة الواسعة بين ما يطرحه الامام وما نعيشه ودعوني اطرح العبارات العصرية لنرى كيف ان هذا العظيم يمتلك كلمات مضيئة وحكما مازالت غائبة عن كثير من خطاباتنا ودعوني أربط كلماته بالواقع. 1- هجرة العقول ونزيف الأدمغة: "من سعادة الرجل ان يكون رزقه في بلده". يقول تقرير التنمية الانسانية العربية للعام 2003 ص10 "من أصل 300000 من خريجي المرحلة الجامعية الاولى في الجامعات العربية في العام الدراسي 1995/1996م يقدر ان نحو 25 في المئة هاجروا الى أميركا الشمالية ودول في السوق الأوروبية وبين عامي 1998 و2000 غادر أكثر من 15000 طبيب عربي الى الخارج. ايها الاخوة كم عربي ليس سعيدا في هذا العالم... ألا يتألم هؤلاء ان يجدوا دفئا علميا في العالم بعيدا عن أوطانهم؟ 2- الجمال والاناقة. والسؤال هل الاسلام ضد الأناقة والعطر والجمال؟ يقول الامام علي "ع" "ليتزين أحدكم لأخيه كما يتزين للغريب الذي يحب ان يراه في أحسن هيئة". 3- في شهر رمضان يركز الامام علي على العقل ايضا والانسان الكيس الفطن الواعي قائلا: "حبذا نوم الأكياس وافطارهم" يا لروعة الحديث حتى افطار العقلاء يختلف عن افطار الجهلاء لأنفسهم ولغيرهم في الطعام. والامام علي يركز على الصحة وما يضعه الانسان في وعائه. 4 - التركيز على المستقبل. فهو يلح على نقد الذات والتطوير: "العاقل من كان يومه خيرا من أمسه" و"من كان غده شرا من يومه فهو محروم" محروم من لذة التطور، من لذة المعرفة، من لذة التجديد في النفس والعقل. "ومن تساوى يوماه فهو مغبون". "ما من يوم يمر على ابن آدم الا قال له: انا يوم جديد، وانا عليك شهيد، فقل في خيرا واعمل خيرا فأنك لن تراني بعد أبدا". - مراجعة الأداء وعدم تبرئة الذات: "فهم لأنفسهم متهمون"، "على كل انسان ان ينظر كل يوم في عهده". - تربية الأطفال. محور فلسفة جان جاك روسو التربوية تقوم على التربية بالمثل لا بالنصيحة الطفل يتربى بما يراه من ابيه وامه من أداء اخلاقي عملي. يقول الامام علي "ع": "لا أن يعد أحدكم صبيه ثم لا يفي له". - عدم الاهتمام بما يقال فيه "من اشرف اعمال الكريم غفلته عما يعلم". - اذا اردت ان تعرف طبع الرجل فاستشره فانك تقف في مشورته على عدله وجوره وخيره وشره. - الامام يرى أن العاقل حتى لو كان عدوا خير من الصديق الجاهل "عدو عاقل خير من صديق جاهل". - انسانية حتى على البهائم "اتقوا الله في عباده وبلاده فانكم مسئولون حتى عن البقاع والبهائم". والنفاق: "اذا اكتمل نفاق المرء تحكم في دموعه". - احتكار الحقيقة "المعروف عندهم ما عرفوا والمنكر عندهم ما أنكروا". - الحاسد: "لا يرضى عنك الحاسد حتى يكوت أحدكما". الصدق القبيح: "أقبح الصدق ثناء المرء على نفسه". - يصدم الجمهور: "اني اريدكم لله وانتم تريدوني لأنفسكم". - العلاقات العامة وثقافة اللين في الحديث "ولن لمن غالطك فانه يوشك ان يلين لك" و"من لانت كلمته وجبت محبته" و"من لان عوده كثفت اغصانه" يضرب الامام للانسان مثالا في النملة قد يحركه ذلك نحو التنمية والاقدام بدلا من لعن الظلام قائلا: "انظروا الى النملة في صغر جثتها ولطافة هيئتها لا تكاد تنال بلحظ البصر ولا بمستدق الفكر كيف دبت على أرضها وصبت على رزقها تنقل الحبة الى جحرها وتعدها في مستقرها. تجمع في حرها لبردها وفي ورودها "صدرها، مكفولة برزقها مرزوقة بوفقها "ما يلامها من الرزق". لو فكرت في مجاري أكلها في علوها وسفلها وفي الجوف من شراسيف بطنها "مقاطع الاضلاع" وما في الرأس من عينها وأذنها لقضيت من خلقها عجبا". فلنقرأ عليا كما هو، علي العقل علي المعرفة والعلم، علي الإنسانية علي التنمية علي الأخلاق، علي الجمال، علي الحضارة
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 1147 - الأربعاء 26 أكتوبر 2005م الموافق 23 رمضان 1426هـ