اشتعلت جلسة مجلس النواب أمس الاول "الثلثاء" ضحكا، بحسب تغطية الزميل علي العليوات، بعد طرح اقتراح برغبة تقدم به النائب "المستقل" يوسف الهرمي، للطلب من الحكومة الموقرة "مساندة المنتخب الوطني استعدادا للتأهل لنهائيات كأس العالم، بمنح كل لاعب 50 ألف دينار، وراتبا شرفيا "1000 دينار"، وسيارة وخدمات صحية ومنزلا مع التأثيث، وتوظيف العاطلين عن العمل". سألت الزميل العليوات عن أجواء الجلسة، فأكد دقة ما نشر، وأضاف "ان المجلس ضج بالتعليقات من كل جانب، حتى علق أحدهم قائلا: ونزوجهم بعد!". ربما كان هذا الاقتراح "البدعة" مدعاة لضحك بعض النواب الذين لا يجودون باقتراحات أفضل منه، إلا أنه هذا الاقتراح يتميز بدرجة كبيرة من التخبط والتشوش الفكري، يعاني منه البعض، خصوصا من تسميهم الصحافة المحلية بـ "المستقلين"، الذين يعيشون في عالم ألف ليلة وليلة! من حق النائب الهرمي أن يستشيط غضبا على زملائه، ومن حقنا أيضا كمواطنين أن نستشيط غضبا عليه بسبب اقتراحه الفاسد، لأنه سيفتح بالتأكيد الباب أمام ممارسات جديدة تعزز الفساد وتوسع من رقعة تبذير المال العام والتلاعب بأموال الشعب. وفي الوقت الذي يدعو فيه الهرمي إلى إعطاء كل لاعب مبلغ 50 ألف دينار وسيارة وبيتا مع الأثاث... إلخ، فإن في دائرته الانتخابية من لا يجد قوت يومه، في بلد يعاني من وجود 30 ألف عاطل عن العمل، وهناك 50 ألف فقير يعتمدون في معيشتهم على الصناديق والجمعيات الخيرية، والمعونات الحكومية. في هذا البلد يا سعادة النائب، هناك عوائل تعيش على وجبتين في اليوم، تفطر على حليب بالشاي، وإذا تغذت لا تجد عشاء لضيق ذات اليد. وأنا لا أتكلم عن أناس يعيشون في بنغلاديش أو موزمبيق، وانما عن عوائل يبعدون عن منزلي بمقدار 200 متر فقط "أي مسافة 3 كيلومترات عن الدائرة الانتخابية التي رشحت الهرمي ليمثلها في البرلمان". هذه العوائل يا صاحب الفخامة، لا يمتلك أطفالها غير بدلتين متواضعتين: بدلة للمدرسة، والأخرى معلقة على الحبال لتجف لليوم التالي. الهرمي في الجلسة، أصر على التصويت على اقتراحه البديع، لأن المجلس لن يعود للاجتماع إلا بعد العيد، وفي ذلك مأساة وطنية وخسارة قومية كبرى ستلحق بالشعب والوطن الذي لا يحتمل تأجيل مثل هذا الاقتراح! الهرمي في قمة غضبه لم ينس نصيحة زملائه بتقوى الله: "لا يجوز الضحك، هل تضحكون على الشباب، هؤلاء سيرفعون اسم البحرين عاليا، اتقوا الله"! يقينا لا يليق بكم ولا يجوز الضحك أيها النواب الأفاضل، لأنه اقتراح خطير، يؤسس لأشكال جديدة من الفساد. فإذا بدأنا بـ "خمسين ألف دينار وسيارة وراتب شرفي..." في حال التأهل، فما هو المطلوب في حال الفوز بكأس العالم مثلا؟ شراء قصر في العاصمة الفرنسية لكل لاعب؟ أم جزيرة سياحية من جزر هاواي؟ وماذا عن الدورات و"البطولات" القادمة؟ أليس المطلوب في كل سنة إعادة الموال كلما ارتفع اسم البحرين في الأعالي؟وماذا عن المنتخبات الأخرى؟ ألا تقتضي المساواة والعدالة أن يمنح لاعبو منتخبات السلة والطائرة واليد والسباحة والسنوكر والهوكي وكمال الأجسام والشطرنج... الامتيازات نفسها؟ ألا يرفع هؤلاء الأبطال أيضا اسم البحرين عاليا عاليا؟ أم انها خاصة بلاعبي القدم "لأن على رأسهم ريشة"؟ وماذا عن المنتخبات النسائية؟ ألا تستحق كل لاعبة، آنسة أو ثيبة، بيتا وسيارة وراتبا شرفيا أيضا؟ أم سيتم حرمانهن من الميراث؟! لا ندري كيف ستكون النهاية مع هذا البرلمان، ولكن ما نعلمه جيدا، انه إذا تم التصويت على هذا الاقتراح وأمثاله من بدع ما أنزل الله بها من سلطان، سيكون نقطة سوداء في وجه كل نائب يوافق عليه. كما انه في حال إقراره، سيكون أفضل دعوة لخراب الوطن، بتوجيه الشباب جماعيا نحو الرياضة، وترك مقاعد الدراسة وتطليق الشهادات الجامعية، لتتحول البحرين إلى بلد المواهب الرياضية الخارقة! من حيث المبدأ، لا إشكال في دعم أعضاء المنتخبات الوطنية، بحيث تكون مكافآت معقولة، بحسب المستوى المعيشي لهذا البلد، وعدم النظر إلى دول الجوار لاختلاف الظروف، فالكويت والامارات لا تعاني من هذا العدد الضخم من العاطلين أو الفقراء، أو المشكلات المعلقة خمسين عاما دون حلول. نعم... اتقوا الله أيها النواب المستقلون وغير المستقلين، النائمون وغير النائمين... فيما تقترحون. فمن العار أن يقترح نائب تحت قبة البرلمان إنفاق أموال الشعب بهذه الطرق السفيهة، كأن العروس لا ينقصها غير "الديرمة"! أم أنكم تنزفون من خزانة ليس لها صاحب ولا بواب؟ خطباء المنابر يكررون كل عام في رمضان قصة قطام، حين اشترطت مهرا لها على ابن ملجم المرادي: ثلاثة آلاف درهم، وعبد "ربما ليسوق لها الجمل" وقينة "لتغني وتطبخ لها العشاء!"، أما "البدعة" الأخيرة التي أشعلت مجلس النواب ضحكا: خمسون ألف دينار، وبيت مؤثث، وسيارة وراتب شرفي، وفاتهم الشرط الخامس والأهم، الذي يضمن رفع اسم البحرين عاليا جدا جدا جدا: "وخادمة فلبينية" أيضا
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1147 - الأربعاء 26 أكتوبر 2005م الموافق 23 رمضان 1426هـ