العدد 2428 - الأربعاء 29 أبريل 2009م الموافق 04 جمادى الأولى 1430هـ

الرهان الإسرائيلي على التشرذم الفلسطيني

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

فيما كان وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك يطلق تصريحاته بشأن مقترحاته الداعية إلى أن «تجري الحكومة الإسرائيلية الجديدة مفاوضات سلام متوازية مع سورية والفلسطينيين»، ملمحا إلى ضرورة أن تسبق هذه الخطوة زيارة الوفد الإسرائيلي المرتقبة إلى واشنطن، كان القيادي البارز في حركة حماس محمود الزهار يعلن عن «تأجيل محادثات القاهرة بين حركتي حماس وفتح إلى يومي 16 و17 مايو/ أيار المقبل، وذلك ليتسنى للوفدين العودة إلى مرجعياتهما السياسية في الحركتين لمناقشة مجموعة من الأفكار والأطروحات التي قدمتها مصر».

الصورة واضحة، فبينما تقلص الحكومة الإسرائيلية من خلافاتها، وهي على أهبة الاستعداد لشد الرحال إلى الولايات المتحدة، تعود الوفود الفلسطينية المشاركة في محادثات القاهرة حاملة معها أثقال خلافاتها حول أربع قضايا أساسية، هي، كما حددها عضو حركة فتح عزام الأحمد «منظمة التحرير والانتخابات والأمن والحكومة». وكما رشح من وكالات الأنباء فإن الحركتين، فتح وحماس «لم تتمكنا من الاتفاق بعد على صيغة لإعادة هيكلة منظمة التحرير الفلسطينية ولا على الترتيبات المتعلقة بإعادة توحيد الأجهزة الأمنية، كما أن الخلافات ما زالت قائمة بينهما حول القانون الانتخابي»، فبينما تسعى فتح إلى تعزيز مواقعها باعتماد «نظام القائمة النسبية المطلقة نجد حماس تطالب بنظام مختلط يجمع ما بين القائمة النسبية والدوائر الفردية». ولم تتردد حماس، تعبيرا عن عمق الخلافات بينها وبين فتح حول هذه المسائل من توجيه انتقادات حادة إلى تصريحات الرئيس الفلسطيني محمود عباس التي طالب فيها «الحكومة المقبلة بالالتزام بما التزمت به منظمة التحرير الفلسطينية». متهمة مواقفه بالتراجع عن «اتفاق الرزمة الواحدة، وتسويقا رخيصا للشروط الأميركية، وتهربا من قبله ومن قبل حركته من جميع استحقاقات القضايا الرئيسية المتعلقة بالشأن الفلسطيني».

الأهداف الإسرائيلية المرحلية واضحة ويمكن تلخيصها في النقاط التالية:

1. تقليص نقاط الخلاف التي قد تطفو على السطح مع الإدارة الأميركية الجديدة، التي قد تضطر، في ضوء التطورات الاقتصادية الداخلية، والسياسية الخارجية، إلى الحد من دائرة بعض أشكال الدعم المطلق غير المحدود الذي كانت تنعم به تل أبيب من لدن الإدارة الجمهورية السابقة، خاصة وإنها، أي تل أبيب، كانت، وبشكل استثنائي أكثر ميلا نحو المرشح الجمهوري. وقد لمست «إسرائيل» شيئا من هذا القبيل أثناء زيارة مبعوث الرئيس الأميركي للسلام في الشرق الأوسط جورج ميشيل الذي هاجم معارضة نتنياهو لقيام دولة فلسطينية تعيش بسلام إلى جانب دولة «إسرائيل» كحل للصراع الإسرائيلي- الفلسطيني. وأصر ميشيل، مميزا الموقف الأميركي عن الموقف الإسرائيلي بعض الشيء، إلى القول إن «إقامة هذه الدولة يخدم المصالح القومية الأميركية»، وهو موقف يتعارض بشكل واضح مع موقف الحكومة الإسرائيلية الحالية.

2. وضع الفلسطينيي أمام خيارات صعبة ومعقدة، فهو، أي الطرف الفلسطيني، عليه أن يختار بين أمربن أحلاهما مر، أما حصرنفسه في زاوية ضيقة تضعه في خانة الطرف المناكف المعادي لمشروعات السلام، أو إرغامه تقديم المزيد من التنازلات غير المبررة التي تفقد الفلسطينيين أي حق في أرضهم. هذا ما كشفت عنه مطالبات وزارة الخارجية الفلسطينيين الاعتراف بـ»إسرائيل» «كدولة يهودية»، معتبرة هذا الاعتراف مرحلة ضرورية، لابد منها من أجل التقدم في حل الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني». وكان ذلك بمثابة الرد المباشر على تصريحات أطلقها الرئيس الفلسطيني محمود عباس جدد فيها «رفضه الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية»، وهو أيضا ما اعتبره مستشار الرئيس الفلسطيني صبري صيدم مشروعا خطيرا يسعى «لتطهير فلسطين التاريخية وإزالة الشعب الفلسطيني برمته عن الأرض، التي تريد «إسرائيل» أن تكون يهودية خالصة».

3. الخروج من الأزمة الداخلية الطاحنة، والتي انعكست سلبا على العلاقات بين الكتل السياسية الرئيسية الإسرائيلية، التي لم يعد هناك عامل قادر على تقليص الخلافات الثانوية بينها، والسير نحو محور يهودي متكاتف أفضل من إبراز الصراع مع الطرف الفلسطيني، ووضعه في مقدمة البرنامج السياسي لأي كتلة تصل إلى السلطة، كما هو الوضع عليه اليوم، وكما كشفته أزمة الإنتخابات الأخيرة.

مقابل ذلك الإلتفاف الإسرائيلي، نجد التفتت الفلسطيني غير المبرر الذي عبرت عنه محادثات القاهرة، التي انتهت بإعلان الطرفين عن عودتهما إلى قياديتيهما من أجل إجراء المزيد من الحوارات الداخلية.

يمكننا سرد الكثير من المبررات التي تفسر هذه الفسيفساء السياسية الفلسطينية، بدءا من التدخل العربي في الشئون الداخلية الفلسطينية، مرورا بطبيعة العلاقات المتداخلة الشائكة بين القضايا الداخلية المحلية في ساحة الصراع العربي - الإسرائيلي التي تنعكس سلبا على العلاقات بين الفصائل الفلسطينية المختلفة، انتهاء بطبيعة نشوء وتكون القوى السياسية الفلسطينية، وتطورها في مراحل لاحقة، والذي قاد، في حالات كثيرة إلى إيصالها إلى ما وصلت إليه من حالات التمزق.

بالإضافة إلى السلبيات المباشرة التي يفرزها هذا التشرذم السياسي على موازين قوى الصراع لصالح الطرف الإسرائيلي، فهو يفقد السلطة الفلسطينية، تعاطفا، ومن ثم دعم الكثير من حلفائها الذين يقفون مكتوفي الأيدي أمام الاتجاهات الفلسطينية المتناحرة. تكفينا الإشارة إلى تصريح نائب وزير الخارجية، المبعوث الخاص للرئيس الروسي في منطقة الشرق ألكسندر سلطانوف، حين قال «إن الانقسام الفلسطيني له تأثير سلبي جدا على عملية السلام، لذا تقوم موسكو بجهودٍ مع كل من السلطة الفلسطينية وحماس لتجاوز الخلافات».

واليوم، وبعد إن اضطرت «إسرائيل» في أكثر من مناسبة إلى الإفصاح عن مشروعها التوسعي اليهودي، ممثلا في دعوات مثل مطالبة الفلسطينيين الاعتراف بالدولة اليهودية الصرفة، مما أدى إلى نزع الكثير من الأقنعة التي تتستر وراءها تل أبيب، لم يعد أمام هذه الأخيرة من سلاح تلجأ إليه لاستكمال مشروعها الاستيطاني أفضل من التشرذم الفلسطيني. فهل يضع الفلسطينيون سلاح ذبحهم في يد قاتلهم؟ هذا ما تراهن عليه «إسرائيل».

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2428 - الأربعاء 29 أبريل 2009م الموافق 04 جمادى الأولى 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً