العدد 2428 - الأربعاء 29 أبريل 2009م الموافق 04 جمادى الأولى 1430هـ

مرة أخرى يسقط الغرب في امتحان حقوق الإنسان

المؤتمر العالمي لمناهضة العنصرية (ديربان 2)

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

عقد في جنيف في الفترة ما بين 20 و24 المؤتمر العالمي لمناهضة العنصرية (ديربان 2) بعد ثمان سنوات من انعقاد المؤتمر العالمي الأول لمناهضة العنصرية في ديربان بجمهورية جنوب إفريقيا في2001.

ويعتبر مؤتمر ديربان (2) مراجعة لما تم إنجازه وما لم يتم إنجازه من برنامج العمل لمناهضة جميع أشكال العنصرية والتمييز العنصري وكراهية الأجانب وازدراء الأديان وخلافا لما حدث في ديربان (1) والذي احتضنته جمهورية جنوب إفريقيا والتي خرجت لتوها من المعركة ضد نظام الفصل العنصري منتصرة ومتحمسة لدعم المعركة العالمية ضد العنصرية، فقد جاء مؤتمر جنيف مطوقا بإكراهات الدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة و «إسرائيل» لتمييع قرارات المؤتمر وخصوصا ما يتعلق بـ «إسرائيل» وعنصريتها واستعمارها الاستيطاني للوطن الفلسطيني واحتلالها للأراضي العربية، ويجب علينا الاعتراف بأن الولايات المتحدة و»إسرائيل» وهما أبرز الغائبين من دول الغرب، هما أبرز الحاضرين في المؤتمر، حيث نجح التحالف الغربي - الصهيوني في فرض أجندته على مسار أعمال المؤتمر الرسمي وخلاصته الواردة في البيان الختامي والذي هو برنامج العمل المستقبلي. أما بالنسبة إلى مشاركة منظمات المجتمع المدني، فقد كان الحضور الصهيوني طاغيا حيث نجحت المنظمات الصهيونية في حشد ما يقارب 1500 من ممثلي مختلف حركات ومنظمات المجتمع على امتداد العالم. حيث كانوا يحشدون مظاهرة يومية أمام مقر الأمم المتحدة، وينظمون الكثير من الفعاليات الموازية للمؤتمر الرسمي ولولا تحرك قلة من المنظمات المعادية للصهيونية من اليهود الشرفاء - والمنظمات المؤيدة للحق الفلسطيني وخصوصا من الأراضي الفلسطينية المحتلة لعام 1948، ومنظمات عربية وغربية، لاكتسح الصهاينة ساحة منظمات المجتمع المدني.


البيان الختامي تراجع واضح

من خلال التدقيق في الوثيقة وتقرير مراجعة مؤتمر ديربان الختامي تبين لنا مدى التراجع عن بيان ديربان بشكل كبير.

على امتداد عدة أشهر كانت المفاوضات مترافقة من قبل الولايات المتحدة و»إسرائيل» وحلفائها الغربيين لحذف كل ما يتعلق بـ «إسرائيل» وممارساتها العنصرية ضد الفلسطينين سواء داخل الخط الأخضر أو الضفة أو غزة وضد عرب الجولان، واحتلالها المستمر لأكثر من أربعين عاما، وجرائمها التي ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وآخرها حربها الوحشية ضد غزة وقبلها حربها ضد الشعب اللبناني في 2006. وفعلا فقد حذفت كل تلك الفقرات والمحزن أن هذه التنازلات المشينة وكما عرفنا تمت بموافقة السلطة الفلسطينية رغم معارضة ممثل جامعة الدول العربية وبعض الدول العربية والإسلامية، كل ذلك جريا وراء وهم عدم تعكير مزاج حكومة نتنياهو العنصرية وعدم إحراج إدارة أوباما الجديدة. ورغم ذلك قاطعت الولايات المتحدة وحلفاؤها المؤتمر رغم الخضوع والاستجابة لكل طلباتهم.

كما أن الدول الغربية ضغطت من أجل عدم تضمين بيان ديربان (2) كل ما يتعلق بجرائم الاستعمار وإبادة الشعوب الأصلية، ومعاناتها على امتداد قرون ونهب ثرواتها، وحق هذه الشعوب في الحصول على اعتذار وتعويض عن معاناتها، كما حصل اليهود و»إسرائيل» على الاعتدار والتعويض الباهظ من ألمانيا، جراء ما يعرف بمعسكرات أوشفيزس.

كما رفضت الدول الغربية خصوصا الولايات المتحدة والدول الاستعمارية الإشارة إلى جريمة العبودية والمتاجرة بالعبيد، والجرائم الفظيعة بحق الأفارقة حيث كان يتم أسرهم كالحيوانات، ونقلهم كالبهائم إلى العالم الجديد، ليقضوا حياتهم جيلا بعد جيل في جحيم العبودية. والتركة الثقيلة في حياة الملونين حتى اليوم وخصوصا في الولايات المتحدة - هذا الموقف المتعجرف رغم وصول رئيس أسود لقمة السلطة في واشنطن، ووعوده الانتخابية بإعادة الاعتبار لنضال السود ضد العنصرية.

أصرت الدول الغربية على أن يكون البيان الختامي ذا طبيعة موضوعات مجردة وأن لا يتعرض إلى أي بلد أو منظمة في سياق تحديد المسئوليات والواجبات هذا الموقف لا يقتصر على الغرب بل شمل أيضا عددا من الدول التي يجرى فيها اضطهاد قوميات أوأعراق أو أقليات مثل الصين والدول العربية، أي أن هناك تواطأ في ممارسة هذه الانتهاكات الواسعة وطبق ذات المبدأ على كلمات ومداخلات المحترفين الرسميين وممثلي منظمات المجتمع - مراجعة قاصرة المدى حيث كان يجرى إسكات من يتطرق إلى نظام أو دولة معينة في ظل عدم تحديد الفاعل المجهول من دول وأنظمة ومنظمات للجرائم المرتبطة بالعنصرية والتمييز العنصري والإبادة البشرية والاضطهاد لشعوب وجماعات فإن مراجعة ما تم تحقيقه من برنامج العمل الذي أقر في ديربان أتى ضعيفا وعموميا ومجاملا أكثر من اللازم. فرغم أنه عبر عن القلق من استمرار بل وتوسع ظاهرة العنصرية والتمييز العنصري وكره الأجانب وخصوصا بعد حادثة الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001، فإنه أشاد بالتقدم المحرز في مكافحة العنصرية والتمييز العنصري وإشاعة ثقافة التسامح - والإجرءات التي اتخذتها الدول من تشريعات وإجراءات ومؤسسات للنهوض بهذه المهمات. وكذلك الدور الفاعل لمنظمات المجتمع المدني. صحيح أن هناك جهودا كبيرة في هذا المجال على امتداد العالم لكن الانجازات متواضعة أمام ما تمخضت عنه الحرب على الإرهاب التي قادتها الولايات المتحدة إثر حدث 11 سبتمبر، والتي ترافقت مع حملات تحريض عنصرية ضد المسلمين، على امتداد الغرب، وإجبار مختلف دول العالم للانخراط في هذه الحملة والتي تسببت في انتهاكات لا سابق لها لحقوق الإنسان وهكذا فإن المراجعة تخلو من المؤشرات الواضحة المستندة إلى معايير واضحة في مختلف البلدان والميادين، على صحة التقدم في مكافحة العنصرية والتمييز العنصري وكره الأجانب، والتقدم نحو المساواة والتسامح والتعايش والحقوق المتساوية، وإزالة الاحتلالات، وتمكين الشعوب المحتلة من تقرير مصيرها.


قصور الآليات

يعترف البيان الختامي رغم جمود الآليات التي انيط بها متابعة تنفيذ الالتزامات بموجب ديربان مثل لجنة متابعة برنامج عمل ديربان - واللجنة الدولية ضد العنصرية واللجنة ما بين الحكومات للمتحررين الأفارقة ولجنة الخبراء المستقلة والمقرر الخاص ضد الأشكال المعاصرة للرق والعنصرية وكره الأجانب وعدم التسامح ومستشار الأمين العام للأمم المتحدة لمنع جرائم الإبادة الجماعية، بأن هناك حاجة ماسة لآليات فاعلة وواضحة لرصد ممارسات العنصرية والتمييز العنصري وكره الأجانب وعدم التسامح والخطوات المتخذة للحد منها واستئصالها وقياس ذلك من خلال معايير واضحة، في كل بلد على حدة وضمن المجموعات الإقليمية مثل الاتحاد الأوروبي أو جامعة الدول العربية مثلا والتعاون الإقليمي والدولي المتحقق من عدمه.

كما يشير البيان إلى القلق من عدم وفاء الدول بالتزامات بموجب الاتفاقيات الدولية مثل الاتفاقية الدولية لمناهضة جميع أشكال التمييز (cerd) بما في ذلك عدم تقديم تقاريرها الدولية، ويدعوا الدول إلى إصدار تقارير دورية في تنفيذها لإعلان ديربان.


توصيات ديربان (2)

في ضوء مراجعة التجربة الفاصلة ديربان (1) وديربان (2) - يقترح - البيان وبرنامج العمل 102 توجيه الكثير منها وارد في بيان ديربان (1) ويشير هذا الصدد إلى عدد من قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان (وسلفه لجنة حقوق الإنسان)، والاتفاقيات الدولية ذات الصلة والتي لا تقتصر على محاربة العنصرية والتمييز العنصري وكره الأجانب وعدم التسامح بل تمتد إلى تلك المتعلقة بمحاربة الممارسات التمييزية ضد النساء والمهاجرين والأقليات، والأطفال وأصحاب الاحتياجات الخاصة.

وتناولت التوصيات عددا من الإجراءات والآليات العملية لترجمة التوصيات إلى خطة عمل.

كما يدعوا منظمات المجتمع المدني القيام بدورها بفعالية بمشاركة كاملة مع الحكومات في وضع الخطط مراجعتها والمشاركة في تنفيذها، ودعى الدول لتشجيع ودعم منظمات المجتمع المدني في هذا الصدد.


مسار مشاركة المجتمع المدني

كأي مؤتمر للأمم المتحدة، فإن من حق جميع المنظمات ذات الوضع الاستشاري للأمم المتحدة بالمشاركة في المؤتمر، وقد خطت الأمم المتحدة سابقا خطوات أوسع بحق مشاركة منظمات المجتمع ذات الصلة بموضوع المؤتمر بالمشاركة في المؤتمر حتى ولو لم يكن لها وضع استشاري، لكنها تراجعت عن ذلك في هذا المؤتمر.

ومنذ مؤتمر فينا لحقوق الانسان في 1993، فقد أضحى عرفا أن يشارك ممثلوا منظمات المجتمع المدني إلى جانب ممثلي الحكومات من دون تحديد لعدد الممثلين لكن ومن ضمن القيود على مشاركة ممثلي منظمات المجتمع المدني، فقد تم تحديد مندوب واحد لكل منظمة حتى لو كانت منظمة دولية بحجم منظمة العفو الدولية مثلا كما سمح للمتحدثين فقط عن هذه المنظمات بالتواجد في القاعة نفسها.

كما جرت العادة على مشاركة ممثلين لمنظمات المجتمع المدني، في صياغة البيان الختامي لكنه لم يسمح لهم في هذا المؤتمر بذلك. ولدى صدر بيان خاص عن منظمات المجتمع المدني يعتبر متقدما عن بيان الحكومات.

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 2428 - الأربعاء 29 أبريل 2009م الموافق 04 جمادى الأولى 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً