صدق المجلس الأعلى للثورة الثقافية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية نهاية الأسبوع الماضي على السياسة المتعلقة بتوزيع وعرض الأفلام السينمائية والمنتجات المسموعة والمرئية الأجنبية، وبناء على ما صودق عليه من مضابط فإنه سيمنع عرض الأفلام المروجة للعلمانية والليبرالية والفيمينية أو تلك التي تشوه وتستخف بالثقافات "الأصيلة" في المجتمعات الشرقية، كما سيحظر بموجب السياسية الجديدة عرض الأفلام التي ترفض "تلميحا أو تصريحا" سيادة الدين في جميع مناحي الحياة وتنتصر للأنظمة الإلحادية على الأنظمة الدينية، بالإضافة إلى الأفلام المروجة للاستكبار العالمي "بحسب عبارات القرار" ومؤسساته الرئيسية وكذلك الأفلام التي تشيع الممارسات اللاأخلاقية وأعمال العنف وتبرر تعاطي المخدرات والمشروبات الكحولية. وقد كلف المجلس الأعلى للثورة الثقافية أعلى مسئول في مؤسسة الإذاعة والتلفزيون الإشراف على عرض الأعمال في القنوات الإيرانية، فيما أناط لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي مسئولية تنفيذ بنود هذا القرار والرقابة على عرض وتوزيع المنتجات الفنية على مستوى البلاد، وبما أن أكثر من 80 في المئة من المواطنين الإيرانيين يشاهدون التلفزيون، وبالذات القناة الثالثة "قناة الشباب" فإنه يتوجب على هيئة الإذاعة والتلفزيون أن تعوض ذلك بالقدر الذي لا يجعل الإيرانيين يهجرون قنواتهم الرسمية. وبطبيعة الحال، فإن الرئيس المحافظ محمود أحمدي نجاد باعتباره رئيسا للمجلس الأعلى للثورة الثقافية بحكم منصبه التنفيذي قد أوفى بأحد أهم الوعود التي قطعها على نفسه أمام الناخبين، وهو تصحيح الوضع الثقافي في البلد، طبعا الناخب الإيراني حينها كان يتسمر أمام الشعارات الاقتصادية وشعارات مكافحة الفساد التي كان أحمدي نجاد يطلقها، ولم يلتفت بعناية لما كانت تقوله الحملة الانتخابية للتعميريين، أو على الأقل ما توحي بها من إشارات ورسائل. كما أن المسلم به هو أن أحمدي نجاد ليس وحده الراغب في "تصحيح" الوضع الثقافي في الجمهورية الإسلامية، فخلفه يوجد اصطفاف يميني قوي أبدى مناكفة وانزعاجا شديدين طيلة الأعوام الثمانية الماضية، مما آلت إليه الأوضاع الثقافية ابان العهد الخاتمي، و"ربما" يكون جزء كبير من تلك المؤاخذات صحيح مع تهاوي الكثير من المحرمات التي باتت تتداول كأي منتج قيمي ذي ملامح غير شاذة، وبروز تمظهرات ملموسة لها على الأرض كمسرحية "موج" الطلابية أو الأفلام الشبابية والاجتماعية المغايرة للمألوف بقوة، ولم تعد طبيعة الثقافة توازي ما بينته أبجديات الثورة الأولية من أنها وثبة بوجه الرجعية، وذات معاني تقدمية ونظرة مستقبلية.
تاريخ السينما في إيران
كانت السينما في إيران قد فرضت نفسها في منعطف تاريخي مهم في منتصف خمسينات القرن الماضي حين استعاضت فقها آخر في علاقة المجردات مع المخزون القومي والأفهام الصاعدة، لتتحول المكونات الهلامية الماحقة للملامح إلى عناصر أكثر وضوحا واستساغة، وبعد انتصار الثورة الإسلامية في بدايات العام 1979 وما صاحبها من عمل سياسي دراماتيكي نشط ثم نشوب الحرب العراقية الإيرانية "1980 - 1988" أعطيت السينما زخما وافرا من الأفكار والبطولات والمواقف الحماسية والتراجيدية مع تلاحم قطاعات واسعة في المجتمع مع بعضها بسبب المصير القومي المشترك الذي كان يربطها بقوة، ولم يعد أمام القيمين على الحكم الجديد أكثر من توفير الشخوص الملائمة لأجواء الثورة المتسمة بالإسلامية والتدين، وقد ساعد على ارتقاء الفن وجودته أكثر وجود أشخاص في قمة الهرم السياسي الإيراني الجديد يشجعون عليه ويمدونه بكل ما يحتاج، وكان أبرزهم الإمام الخامنئي الذي كان حينها رئيسا للجمهورية، إذ عرفت عنه مجالسته لأهل الثقافة حتى مع غير المتدينين، وانتداؤه في تجمعات علمية وثقافية مختلفة.
السينما في العهد الخاتمي
عندما جاء السيد محمد خاتمي إلى سدة الحكم في العام 1997 ونظرا إلى مشروع تقاسم السلطة مع أكثر من سبعة عشر تنظيما إصلاحيا فقد توزعت المناصب التنفيذية على الكثير من الشخصيات الجدلية في جبهة المشاركة وكوادر البناء وروحانيون مبارز، وبسبب شعارات الإصلاح التي كان ينادي بها تيار الثاني من خرداد بدأت عملية تفكيك للمعادلة الثقافية القائمة وجرى تشذيبها بشكل عمودي، وكان عطاء الله مهاجراني قد استوزر حينها لحقيبة الثقافة والإرشاد الإسلامي عن يمين الوسط الصناعي، إلا أن سيطرة بعض القوى الإصلاحية المتطرفة من جبهة المشاركة ومجاهدي الثورة الإسلامية على الكثير من المرافق الثقافية جعل من علاقة التيارين الإصلاحي والمحافظ تسوء بسرعة، وكان المحافظون آنذاك يسيطرون على المجلس النيابي الخامس، فحاولوا سحب الثقة عن مهاجراني، لكنه نجا من المحاولة، إلا أنه استقال لاحقا بسبب تزايد الضغوط من قيادات عليا في النظام، كما وجهت اتهامات متكررة إلى أحد كبار مسئولي وزارة الثقافة وهو عيسى سخرخيز، عندما سمح لصحيفة "زان" بالإصدار على رغم أنها كانت معطلة بأمر من محكمة المطبوعات، والأكثر من ذلك فقد كانوا "أي المحافظين" يمارسون أقصى أنواع الضغوط على المرشدية الدينية عبر استخدام ورقة مراجع الدين الكبار في حوزة قم المقدسة، بالإضافة إلى الاعتصامات والبيانات وحتى الاغتيالات السياسية التي كانوا ينظمونها بشكل متلاحق، كما بدأوا في عمليات ثقافية موازية كردة فعل عبر المؤسسات غير النظامية التي يملكونها في مؤسسة الشهيد والمستضعفين وبعض دور النشر والتأليف وفي الجامعات وفي المناسبات الدينية والحسينيات. طبعا يمكن الاتفاق على خطأ الكثير من الخطط الثقافية التي عمل بها في الفترة السابقة، ولكن في الوقت نفسه نخشى أيضا من تكريس المشروعات الإلغائية والمتطرفة المواجهة لها، وبالتالي حصول تراجع ثقافي وسينمائي ومسرحي في الجمهورية الإسلامية التي بدأت أسهمها الثقافية في الصعود خلال السنوات الأربع الماضية، حين وصل إنتاجها السنوي إلى 50 فيلما وتشييدها أكثر من 360 دار عرض سينمائية و23 مسرحا، وحيازتها أكثر من مئة جائزة دولية بسبب أنشطتها الثقافية والسينمائية المميزة، وبالتالي فإن المحافظة على تلك المكتسبات هو أمر واجب، والابتعاد عن الارتهان إلى مشروعات مؤدلجة مضادة هو أوجب، أضف إلى ذلك فقد حان الوقت أمام المجلس النيابي السابع الذي يسيطر عليه المحافظون وبالذات التعميريون الداعمون لأحمدي نجاد؛ أن يحرك موضوع رفع الحظر عن استخدام الأطباق اللاقطة وخصوصا أنه موضوع مصدق عليه في الخطة التنموية الرابعة، وهو إنجاز تاريخي سيحسب لصالحهم بعد التمنع الذي استمر منذ العام ،1995 كما أنه سيعزز الثقة أكثر لدى الإيرانيين في مواجهة البرامج التي تطلقها الهيئة المكلفة ببث البرامج الإذاعية والتلفزيونية في الخارجية الأميركية "برودكاستينغ بورد أوف غوفيرنورس" باللغة الفارسية. * كاتب بحريني
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 1144 - الأحد 23 أكتوبر 2005م الموافق 20 رمضان 1426هـ