غدا يبدأ مجلس الأمن الدولي بمناقشة تقرير لجنة التحقيق بشأن جريمة اغتيال رفيق الحريري. ويتوقع أن تصدر عن دول مجلس الأمن سلسلة مواقف وتوضيحات يرجح أن تنتهي بقرار جديد أو صيغة بيان يحث الأطراف المعنية على التعاون الكامل مع رئيس اللجنة ديتليف ميليس. والمقصود بالتعاون الكامل دمشق. فالتقرير يشير إلى وجود شبهة ظنية تتهم بعض أطراف الجهاز الأمني اللبناني - السوري بالتخطيط أو تسهيل مهمة ارتكاب الجريمة. المسألة إذا كما ذكر ميليس في تقريره المرفوع إلى المجلس لم تنته فصولها. وهذا يعني أن المهلة الزمنية التي طلبها تأتي في سياق محاولة القوى الكبرى احتواء تداعيات الازمة والبحث عن مخارج لها حتى لا تضطرب المنطقة وتتجه أطيافها السياسية نحو التصادم. إلا أن هذا لا يعني عدم وجود مؤشرات تقودها الولايات المتحدة وتستهدف استغلال التقرير واستخدامه كوسيلة ضغط لتمرير مشروعات إقليمية لا صلة لها بالجريمة. فالكلام الذي درجت الصحف الأميركية والإسرائيلية على تسريبه ملمحة إلى وجود اتصالات وصفقات ومقايضات يمكن وضعه في إطار احتمالين: الأول، التشويش على مسار التحقيق. الثاني، ابتزاز الأطراف المعنية أو المتهمة "ظنيا" بان إمكانات الضغط باتت مفتوحة على أبواب مختلفة منها الدبلوماسي أو الاقتصادي أو حتى العسكري. هذا التسريب الإعلامي نفته دمشق مرارا وذكرت أنه يريد ابتزاز الموقف السوري وحشره في زاوية القبول بالشروط الأميركية والموافقة على تلك الاملاءات التي أشارت إليها تصريحات المسئولين في إدارة البيت الأبيض. الموضوع إذا لم ينته بعد. ومعرفة الطرف الذي ارتكب جريمة الاغتيال ليس هاجسا أميركيا. فالولايات المتحدة تنظر إلى الأمور من زاوية المصالح "الفوائد والمكتسبات" وليست معنية كثيرا بالعدالة والشفافية والمكاشفة والقضاء. فالهم الأخير عند إدارة شريرة تقود واشنطن هو معرفة الطرف الذي اغتال رئيس الوزراء اللبناني. فهذا الأمر يعنيها أولا يعنيها بحسب الفوائد التي تجنيها من المحصلة العامة بناء على المكاسب التي تحققها من وراء لجان التقصي. في هذا الإطار يمكن أن نقرأ الموقف الأميركي من المسألة. فواشنطن لا تركض وراء العدالة بقدر ما تهتم بالنتائج السياسية المترتبة على الموضوع. فالمصالح أهم والقدرة على توظيف التقرير لخدمة مشروعات أخرى يشكل هاجسها الحقيقي من وراء البحث أو حث القيادة السورية على التعاون الكامل. المسألة سياسية فعلا ليس من جهة وقائع معلومات التقرير وانما من ناحية التوظيف المتوقع لنتائج مناقشات مجلس الأمن وكيف يقرأ تلك الأوراق التي رفعها ميليس إليه لأخذ العلم واتخاذ القرارات المناسبة. القرارات المناسبة للولايات المتحدة مختلفة أو ليست بالضرورة متطابقة مع مخاوف الدول الأخرى وتحديدا روسيا والصين وإلى حد ما فرنسا. فكل طرف سيقرأ التقرير بالحيثيات التي تناسبه وسيحاول جهده توظيف بعض الفقرات فيه سلبا أم إيجابا وبما يتجانس مع استراتيجيته الإقليمية العامة. المسألة كبيرة وتتجاوز حدود نوايا مجلس الأمن وتتعدى تقرير ميليس. فالسؤال ماذا بعد التقرير؟ ومن السؤال يمكن اعتبار المخاوف من تسييس التقرير بعد توزيعه دوليا مبررة ومفهومة. فموسكو متخوفة من تحويله إلى أدوات قانونية تتسلح بها واشنطن لاستكمال مشروعها التقويضي الذي بدأت بتنفيذه في أفغانستان وثم العراق. وبكين ليست بعيدة عن تلك الهواجس التي تؤرق الكرملين. اما بريطانيا فإنها تجتهد لابعاد نفسها عن المشهد السوري - اللبناني تاركة المسرح لفرنسا لتلعب دورها بحدود نسبية وبالتنسيق مع الولايات المتحدة. غدا يبدأ مجلس الأمن مناقشاته وكل دولة تضع في جدول أعمالها مجموعة حسابات ليست بعيدة عن السياسة. فالموضوع خطير وخطورته لا تقتصر على اتهامات عرقلة العدالة وانما على تلك التوظيفات السياسية المحتملة من جانب الولايات المتحدة لتمرير مشروع كبير يتعدى جريمة الاغتيال ومن خطط لها ونفذها. ومن هنا بالضبط تبدأ مشكلة أخرى أوسع من مساحة لبنان وأقوى من قدرات المنطقة على تحمل تداعياتها
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 1144 - الأحد 23 أكتوبر 2005م الموافق 20 رمضان 1426هـ