منذ بدايات العقد التاسع من القرن الماضي والحكومة تسعى إلى رفع نسبة زيادة الاشتراكات في هيئتي التقاعد والتأمينات تخوفا من الافلاس الاكتواري وقد طرح الموضوع بداية على مجلس الشورى السابق العام 1993 ولم يتمكن هذا المجلس من تحريك المياه الراكدة والآسنة لأوضاع هيئتي التقاعد والتأمينات الاجتماعية. وظل الموضوع حبيس أدراج الحكومة والهيئتين، حتي سنحت الفرصة المناسبة للحكومة لطرح هذا الموضوع على المكشوف في احدى جلسات مجلس النواب العام 2003 أي بعد عقد من الزمان وذلك أثناء مناقشة اقتراح برغبة بشأن توحيد مزايا التقاعد والتأمينات الاجتماعية وما تمخض عن ذلك من تشكيل لجنة تحقيق برلمانية للنظر في أوضاع الهيئتين. وكما هو معروف فإن لجنة التحقيق والنواب قد تمكنا ليس فقط من تحريك المياه الآسنة بل أنهم كشفوا عن الكثير من المخالفات وحالات الفساد المالي والاداري في الهيئتين، وخرجوا بتوصيات كثيرة تصب في صالح إعادة هيكلة الهيئتين للنهوض بهما وازالة المعوقات الكثيرة التي شابت عملهما. وعلى رغم ذلك فإن الحكومة ظلت تناور وتناور بعيدا عن تنفيذ جميع التوصيات وأخذت تمهد لطرح الحل الأسهل - زيادة الاشتراكات في التقاعد 3 في المئة حاليا تلحقها زيادة أخرى قد تصل في المجموع إلى 24 في المئة بعد سنوات لا تتعدى الخمس. وهناك محاولات لطرح زيادة أخرى في التأمينات الاجتماعية حتى تصل في المجموع إلى 18 في المئة ومن ثم إلى 21 في المئة وهكذا دواليك. وعلى رغم من أن توصيات الجهة الاكتوارية توحي بمثل هذه الزيادة فإنها في الوقت ذاته توحي ايضا بالغاء الكثير من الميزات ان لم يكن كلها وعلى رأسها الزيادة السنوية للمتقاعدين "3 في المئة". لذلك فان الحلول المطروحة تكمن ببساطة في ثنائية الزيادة في الاشتراكات والانقاص في الميزات أو الغائها وهذا بحسب اعتقاد الجهة الاكتوارية ومعها الحكومة سيمنعان الانهيار العظيم للهيئتين - أي أن ذلك سيمد في عمر الهيئتين لكي لا يقع الافلاس الاكتواري المزعوم. وإذا كان صحيحا ضرورة تضافر جهود جميع الأطراف المعنية الايجاد حلول لمشكلات الهيئتين "الحكومة، القطاع الخاص، العمال، النواب" فان الحكومة يجب أن تتحمل العبء الأكبر في الحلول المقترحة وذلك للأسباب الآتية: 1- لأن الحكومة هي التي تسببت بشكل مباشر في تخفيض الاشتراكات بداية من العام 1986 خدمة لمصالح فئات معروفة استفادت من هذه التخفيضات التي حالت دون السماح لتراكم الاشتراكات وزيادتها اعتياديا من خلال الاشتراكات في الهيئتين. كذلك فان الحكومة مسئولة عن أعمال مجالس الادارة في الهيئتين لأنها هي التي كانت تعين هؤلاء الأعضاء وتشرف على أعمال مجالس الادارة والادارة التنفيذية. وقد رأينا بأم أعيننا ما ألت إليه الأوضاع في الهيئتين وكيف استخدمت الحكومة أموال الهيئتين لمصالح خاصة، كذلك فان الهدر الذي كان يذهب هباء من خلال الفساد الاداري والفساد المالي والتلاعب في استثمار أموال الهيئتين ساهم أيضا وبشكل كبير في تخفيض ايرادات وموجودات الهيئتين، والأمثلة كثيرة يمكن للمهتمين الرجوع إلى ملفات لجنة التحقيق البرلمانية في افلاس الهيئتين. لذلك فإن من الظلم أن نحمل الناس تبعات ما أفسدته الحكومة في الهيئتين من خلال الزيادة المقترحة وسلب ميزات أصبحت أعرافا ومكاسب للناس وبالذات للفئات المسحوقة من عامة الناس. 2- التمسك بالحقوق الدستورية المنصوص عليها في الباب الثاني من الدستور والمتعلق بالمقومات الأساسية للمجتمع وخصوصا المادة "4" والمادة "5/ج" اللتين تؤكدان على كفالة الدولة تحقيق الضمان الاجتماعي اللازم للمواطنين وتؤمن لهم خدمات التأمين الاجتماعي وغيرها. 3- إن الأخذ بمبدأ العدالة الاجتماعية المنصوص عليها في الدستور يستدعي توزيعا عادلا للثروات، لذلك فان بامكان الدولة أن تضخ جزءا معينا من ايرادات النفط كتعويض للمواطنين إلى موازنة الهيئتين، بل إن ذلك قد يساهم في تحسين أوضاع الهيئتين المالية ويساهم أيضا في توحيد مزايا الهيئتين. 4- أنني اقترح أن تقوم الدولة بفرض ضريبة معينة "3 في المئة" على أموال الوزراء والمسئولين السابقين الذين أثروا ثراء فاحشا من وراء مناصبهم أثناء تقلدهم المهمات الوزارية والحكومية، وهذه مساهمة منهم في تحسين الأوضاع المالية للهيئتين. 5- إذا كان الحل الوحيد هو في الزيادة المقترحة فان هذه الزيادة يجب أن تأتي مقابل زيادة الرواتب في القطاعين العام والخاص. وكذلك عدم المساس بالميزات التي حصل عليها الموظفون والمتقاعدون. لذلك فإن على الحكومة أن تصلح بنفسها ما أفسدته في الهيئتين من قبل لا أن تحمل الناس أو النواب تبعات ذلك. وعليها قبل كل شيء دراسة تقرير لجنة التحقيق البرلمانية في شأن الهيئتين والعمل على تفعيل ما جاء في التقرير المذكور والترجمة العملية للتوصيات العشر التي أقرها المجلس. إن البحث عن الحلول السهلة لن يحل بمفرده مشكلات التأمينات والتقاعد، لذلك فان على الحكومة أن تصلح أمور الهيئتين بشكل شامل متكامل لا أن تبحث عن انصاف الحلول. * نائب في البرلمان
إقرأ أيضا لـ "يوسف زين العابدين زينل"العدد 1144 - الأحد 23 أكتوبر 2005م الموافق 20 رمضان 1426هـ