منذ أن بدأ الحديث عن احتمال إنشاء جسر بين البحرين وقطر والانظار تتجه إلى اليوم الذي يعلن فيه فعلا البدء في طرح مناقصة الجسر لما لهذا المشروع من أهمية استراتيجية على المستوى البعيد بالنسبة للبلدين وللمنطقة. ففي مطلع العام الجاري كانت هناك تصريحات عدة حول "اللجنة العليا المشتركة بين قطر والبحرين" برئاسة وليي عهدي البلدين، واللجنة أصبح لديها مخططها النهائي لـ "جسر المحبة" الذي سيربط بين البلدين، وأن الدراسات الفنية انتهت "في حين تم تأجيل الأعمال التصميمية إلى مرحلة لاحقة عقب صدور القرار السياسي ببدء التنفيذ". وعندما يتخذ القرار السياسي بالبدء الفعلي فإن الفترة الزمنية لإنشاء الجسر ستتطلب ما بين 4 إلى 5 سنوات، والكلفة ستكون نحو ملياري دولار، وإذا أضيفت إلى الجسر سكك حديد، فإن المشروع ربما يكلف ثلاثة مليارات دولار، وسيمتد عبر مسافة بنحو 40 كيلومترا. كما وسيتطلب إنشاء الجسر أن يضع البلدان ضوابط للعبور والصيد البحري والتعاون في مجال الطاقة والصناعة والكهرباء والماء وسوق العمل والقطاع الخاص في البلدين. وبحسب ما صرح به مسئول بحريني في نهاية العام الماضي فإن البحرين وقطر جاهزتان "في حال اتخذ القرار السياسي" لدعوة الشركات العالمية للتقدم بعطاءات لأعمال الاستشارة وبناء الجسر، والذي سيكون نصفه فوق مستوى البحر، والباقي سيمد فوق أراض مستصلحة، وأنه تم اختيار مسار الجسر من بين 10 مسارات مقترحة، وتم اختيار المسار النهائي بحيث يبدأ من شمال قرية عسكر في الجانب الشرقي من جزيرة البحرين الأم حتى "رأس أشيرج" في الجانب القطري. وفي العام الجاري ذكرت الصحافة أنه تم الاتفاق على تشكيل لجنة تأسيسية مشتركة بين البلدين، وان اللجنة مسئولة عن وضع النظام الأساسي واللوائح التنظيمية لتأسيس هيئة ذات شخصية اعتبارية مستقلة باسم "الهيئة العامة لجسر البحرين - قطر" وتحديد مهماتها ومقرها والقوانين التي تخضع لها، كما كان من المفترض أن يعلن جدول زمني لمراحل تنفيذ المشروع وتحديد الآلية المناسبة للتمويل. لعل من الطبيعي أن تطول فترة النقاشات عندما يكون المشروع بهذا الحجم، ولكن ما يؤخذ على البلدين هو أن الأخبار والتصريحات لا تتغير لفترات طويلة، ما قد يؤدي إلى نسيان الموضوع. فالبلدان لديهما الفرصة لجذب رؤوس أموال من القطاع الخاص للمشاركة في واحد من أهم المشروعات التنموية في المنطقة، والأمر يحتاج إلى قرارات واضحة ورؤية مشتركة بشأن الآلية التي ستنفذ القرارات. أمام البحرين وقطر فرصة للتكامل الاقتصادي عبر جسر استراتيجي يفسح المجال أمام تنمية مستدامة يستفيد منها شعبا البلدين. فقطر لديها الإمكانات الطبيعية من الغاز، وتحتاج لموارد بشرية موجودة في البحرين. كما أن لدى البحرين أسواق مال متطورة يمكنها أن تدعم النمو المتسارع في قطر. وفيما لو اعتمد البلدان سياسة متطورة شبيهة بالسياسات التي تربط البلدان الأوروبية ببعضها بعضا من خلال تسهيل انتقال المواطنين والسياح والبضائع، فإن المنطقة ستشهد طفرة قائمة على مبدأ "التكامل" بدلا من مبدأ التنافس غير الصحي الذي يسود دول مجلس التعاون الخليجي حاليا. القطريون والبحرينيون بينهم صلات القربى، وبينهم علاقات وثيقة ويمكنهم أن يستفيدوا من كل ذلك بهدف خلق بيئة اقتصادية متكاملة عمودها الفقري الجسر الذي طال انتظاره كثيرا. الخليجيون يسعون لإقامة اتفاقات تجارة حرة مع المناطق البعيدة، ومن المفترض أن تكون مثل هذه الاتفاقات بين الدول الخليجية ذاتها. وعلى رغم أن مجلس التعاون يسعى لإقامة سوق مشتركة وعملة موحدة خلال السنوات المقبلة، فإن عدم وجود مشروعات كبرى مشتركة ومتكاملة قائمة على أساس قوانين السوق أدى إلى احباط كثير من تلك الآمال. وفعلا، فإن المشروعات المشتركة "مثل طيران الخليج" واجهتها صعوبات لأن السياسة يتم تقديمها على الاقتصاد، وما نحن بحاجة إليه في المشروعات التكاملية هو العكس
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 1144 - الأحد 23 أكتوبر 2005م الموافق 20 رمضان 1426هـ