ما هو قصد رئيس لجنة التحقيق الدولية ديتليف ميليس من المناورات التي يلجأ إليها، وما هي الرسالة التي يريد توجيهها إلى المعنيين بالأمر؟ هذه المناورات مارسها ميليس مرارا وتعمد احيانا ارتكاب الاخطاء والاعتذار عنها. المحقق الدولي استخدم مرارا هذا الأسلوب "رمي الأسماء ثم سحبها بعد نشرها في الصحافة وإذاعتها في أجهزة الإعلام". وسابقا فعل الامر نفسه حين طالب السلطات اللبنانية رفع "السرية المصرفية" عن بعض الاسماء أو المشتبه فيهم. وبعد نشر الاسماء قامت اللجنة الدولية بالاعتذار من وزير الدفاع اللبناني الياس المر متذرعة بأن اسمه ورد في اللائحة من طريق الخطأ. ما هو القصد من هذه المناورات؟ اللعب بالاعصاب، تشويه السمعة، توجيه رسائل، اصطناع المعرفة أو البراءة،أو ايهام الاطراف بأنه يملك المعلومات ولا يريد قولها حتى لا تقع تداعيات غير محسوبة سياسيا. كل هذه الاحتمالات مطروحة ولكن ميليس لجأ إليها أكثر من مرة حتى حين قدم تقريره التمهيدي "الأولي" إلى الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان. فالتقرير صدر في ثلاث طبعات وكل واحدة تختلف عن الأخرى من جهة وجود أسماء ثم حذفها، أو من جهة وجود إشارات واضحة تم تضليلها لاحقا. هذه مناورة سمجة. فالموضوع ليس تسلية وانما يتعلق بمستقبل منطقة واحتمال سقوط ضحايا وجر العلاقات اللبنانية - السورية إلى الهاوية. فالمسألة اذا لا تتحمل التلاعب بالمشاعر والعقول وابتزاز الناس والقوى على أنواعها. ولجنة التحقيق الدولية لا تملك حق التحايل على المعلومات والتقدم ثم التراجع ثم التلميح ثم التشهير واخيرا سحب الاتهامات الظنية "الاشتباه" بالاعتذار عن الاخطاء المقصودة أو تلك التي سقطت هفوا. فهذا النوع من التلاعب هو أقرب الى التضليل منه إلى كشف الحقائق. إلى هذه المناورات تعمد ميليس استخدام أسلوب المراوغة وتوزيع معلومات متضاربة في الاسابيع الأخيرة ثم الادعاء أمام عدسات المصورين انه لم يسرب تلك المعلومات عن مجرى التحقيق... واذا حصل الامر كما قال فهذا لا يعنيه وربما تتحمل مسئوليته جهات أخرى مشاركة في لجان التقصي. هذه المراوغة وسياسة توجيه "رؤوس اقلام" وبعث إشارات غامضة، وردت أيضا في التقرير "النهائي" الذي رفعه إلى مجلس الأمن لمناقشته والحكم عليه في 25 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري. ففي التقرير المرفوع هناك الكثير من الزوايا الغامضة التي تشي بأن وراء "الجبل" عناصر وأدلة موثقة لم تنشر وانها ستكشف حين يأتي معادها. فالتقرير ناقص اذا ولم يكتمل ويحتاج إلى مزيد من الوقت لتوضيح جوانبه. هذا الكلام ورد في أكثر من فقرة من التقرير، موضحا انه مجرد إشارات سريعة "رؤوس اقلام" وملخصات، وان المعلومات الواردة فيه مختصرة وتمثل قمة جبل الجليد. تكتيكات ميليس تتحمل الكثير من التفسيرات والتأويلات. وهي بائخة تعتمد الالتباس وتتضمن في الآن اشارات قاطعة... وتدعي أيضا انها ليست نهائية. مثلا وردت في الفقرة 22 الاشارة الآتية "اللجنة لا تستطيع في هذا الظرف الكشف عن كل العناصر المفصلة والحقائق التي بحوزتها". كذلك ورد ان اللجنة حاولت "وضع الحقائق وتقديم التحليلات لهذه الحقائق". وعلى المنوال نفسه نسجت اللجنة في تقريرها أكثر من اشارة غامضة تصب في الاتجاه المذكور. في نهاية التقرير كرر المحقق الدولي تلك المسألة في أكثر من مكان حين اورد استنتاجاته وتوصياته بشأن استكمال التحقيق. فالتقرير ينتهي إلى نقاط تسع وكلها تلمح الى زوايا غامضة مثل "الدلائل التي تم التوصل إليها حتى الآن" أو "تم بناء خيوط رئيسية، لكن لم ينته التحقيق إلى الآن" أو "انه مطلوب من سورية ايضاح جزء كبير من المسائل غير المحلولة" أو "الصورة الكاملة بشأن الاغتيال يمكن الوصول اليها فقط من خلال تحقيق مكثف "يقصد دمشق" وذي صدقية"... وغيرها من اشارات مضمرة تعهد ميليس عدم توضيحها تاركا القوى في حيرة من أمرها متهما النظام السوري بعرقلة تقصي الحقائق. التحقيق اذا بدأ ولم يبلغ نهاياته. وهذه الاشارات كافية للقول ان مجالات التفاوض لاتزال واردة. وهناك مدة زمنية أخرى تنتهي في 15 ديسمبر/ كانون الأول المقبل... وإلا. هل هذا ما اراد قوله. من يدري؟
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 1143 - السبت 22 أكتوبر 2005م الموافق 19 رمضان 1426هـ