العدد 1142 - الجمعة 21 أكتوبر 2005م الموافق 18 رمضان 1426هـ

محاكمة العصر لابن تكريت

أحمد البوسطة comments [at] alwasatnews.com

ماذا لو خيّرت المحكمة الرئيس المخلوع صدام حسين مع بداية جلساتها، بين القبول بهذه المحكمة والاعتراف بها واقعاً جديداً أملته الظروف الموضوعية والذاتية لما بعد نظامه، أو محاكمته بالطريقة التي كان يحكم بها العراق آنذاك، حين كانت أحكام الإعدام لمعارضي نظامه في «محكمة الثورة» تقرأ أسرع من مدرس يدلي بنتائج الامتحانات على طلبته؟!

ماذا لو وضعت المحكمة طاغية العراق بين هذين الخيارين اللذين لا ثالث بينهما؟ صدام لم يعترف بهذه المحكمة، وقال عنها: إنها غير دستورية، وقائمة تحت سلطة الاحتلال. والاحتلال باطل، وما قام على باطل فهو باطل. وهو الرئيس الشرعي المنتخب للعراق! ثم تنازل بقليل من الهدوء، بتوكيل محام له للدفاع عنه، وهو اعتراف ضمني بالمحكمة، واستمع جيداً للتهم المنسوبة إليه في مذبحة بلدة الدجيل بشمال بغداد، وقال عنها إنها «كذب» على رغم التوثيق للتهم والمحاكمات الصورية التي قرر حكمه بالإعدام لـ «» شخصاً خلال ساعة واحدة واعتقال المئات من الأهالي بينهم نساء وأطفال وشيوخ لا حول لهم ولا قوة، في حين أعدم آخرون من دون محاكمة وخارج نطاق القضاء!

يكاد المتابع لمحاكمة القرن، أن يضرب رأسه بالحائط غضباً عندما يتحدث الرئيس المخلوع عن الشرعية الدستورية في حكمه، وهو القادم على دبابة «انقلابية» صفت ما صفت من خصومها قتلاً وتقطيعاً وتعذيباً وقسوة باسم «الثورة» ومحاكم الثورة وتغييب حرية الرأي والتعبير، بتفصيل دستور على مقاس «عشيرته» وليس «حزبه» الحاكم، وضعه هو من دون استفتاء من شعبه ولا مشاركة منه، وبموجبه صار رئيساً شرعياً منتخباً للعراق فاز في «آخر استفتاء بنسبة في المئة»!

من هو الشرعي ومن هو غير الشرعي؟ وما المحاكمة الشرعية والمحاكمة غير الشرعية؟ لمَ لم يسأل أحد من المدافعين بحميّة عن الرئيس المخلوع، وهؤلاء السياسيون والمثقفون والكتاب والحقوقيون أنفسهم ولو مرة واحدة: لماذا لم تحم «السيد الرئيس المنتخب» هذه النسبة الـ « في المئة» من أصوات الشعب العراقي عندما غزت القوة العسكرية الأميركية والمتحالفة معها بغداد وسقوط النظام السريع، أو عندما كان الزعيم في حفرة في باطن الأرض؟

الحماسة التي يبديها هؤلاء في تشكيل اللجان وإصدار البيانات «الطنانة الرنانة والنباحة» للدفاع عن طاغية لا أحد يجهل جرائمه ووحشيته، بقدر ما تشجع على بقاء الحكام السيئين من أمثاله مدداً أطول في الحكم، هي لم تؤثر قيد أنملة في أن يكون مصيره شأناً عراقياً ومحاكمته عراقية، والأحكام عليه عراقية وتنفيذها عراقي، وهو ما كان في المحاكمة، التي يتبجح البعض بأنها «غير شرعية» في مناكفة غير مفهومة، وكأن حقبة صدام لم تنته بعد بشرورها ومقابرها الجماعية، وإن زايدت «شبكة هيئة الدفاع عنه وعن جماعته الملطخة أيديها بدماء العراقيين».

ابنته رغد اعتبرته «أسداً في قفص الاتهام»، وامرأة عراقية على الجانب الآخر، تطالب بإعدامه سبع مرات لإعدام سبعة إخوة لها ولاعتقال والدتها السبعينية الضريرة ببلدة الدجيل في مشهد مثير للسخرية، وأية سخرية، عندما توفر الحكومة العراقية الجديدة المنتخبة لطاغية العراق المخلوع محكمة لا يحلم بها هو وجماعته أثناء حكمهم الفاشي عندما كانوا يحاكمون خصومهم المختلفين معهم في الرأي بالقتل والتقطيع والتغييب في سجون القمع!

ما يلاحظ من رد فعل بعض الكتاب والسياسيين والمثقفين والحقوقيين العرب على محاكمة صدام ووضعه في قفص الاتهام، كانت متشنجة، فتارة تعتبر المحكمة غير شرعية، لعدم «شرعية الحكومة العراقية» على رغم نقل السيادة للعراقيين بإشراف وبقرار دولي، وتارة أخرى يربطون محاكمته بمحاكمة المجرم شارون ومن ثم كيل الشتائم للأميركيين لكيلهم بمكيالين، بينما كان على هؤلاء تقديم اعتذار للشعب العراقي على حقبة الصمت المخجل الذي استمر طوال ثلاثة عقود، حين كان العراقيون يتعرضون للاضطهاد والقتل الجماعي والمجازر والمقابر الجماعية خارج نطاق القضاء ومن دون محاكمات، لا أن يخلقوا الأعذار للطاغية وزمرته ويحوّلونه إلى بطل قومي أو «مجاهد أكبر» لنصرة العرب والإسلام والمسلمين

العدد 1142 - الجمعة 21 أكتوبر 2005م الموافق 18 رمضان 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً