العدد 1142 - الجمعة 21 أكتوبر 2005م الموافق 18 رمضان 1426هـ

الشهيد الحريري... أضاعوه وأي فتى أضاعوا

سيد ضياء الموسوي comments [at] alwasatnews.com

لست هنا في مقام الدخول في تفاصيل الأداء السياسي أو الاقتصادي للشهيد الحريري عندما كان رئيس الحكومة اللبنانية. فللرئيس الشهيد اضاءاته وبعض اخفاقاته حال اي رئيس في هذا العالم. فحكوماتنا العربية ليست مصنوعة من البقلاوة والبسكويت، ومن يريد ان ينتقد الشهيد الراحل تشفياً نقول له: من لم يكن منكم على خطيئة فليرمه بحجر كما قال السيد المسيح (ع). يكفي العرب فخراً ان رفيق الحريري يكاد يكون التاجر الوحيد ورئيس الحكومة الوحيد الذي استطاع في طيلة مشواره السياسي والاقتصادي والاجتماعي ان يقوم بتخريج ما يفوق الـ ألف خريج جامعي من أفضل الجامعات الغربية من أميركا وبريطانيا وفرنسا. الرقم ليس سهلاً، وليس عادياً، ففي الوقت الذي فيه يخرّج الحريري ألف متخصص في الطب والهندسة والفن من اللبنانيين كان يوجد ذات العدد في سجون بعض حكوماتنا العربية، إذ تحشر المفكرين وأهل الفن وكتاب الصحافة أهل الانتلجنسيا العربية في داخل السجون وفي اقبية المباحث وكانوا يرفعون على أعواد المشانق. عندما كنت في زيارة للبنان جلست مع مثقف شيعي كبير كان يقول: «الحريري كان يرسخ الوحدة الوطنية والإسلامية في لبنان، كان يرسل الى الخارج للدراسات الاكاديمية الشباب اللبناني من كل الطوائف، المسيحية والشيعية والسنية والدرزية... لا يفرق بينهم...»، وراح هذا المثقف يسرد لي اسماء مختلفة من «ضيعته» وأخذ يسرد اسماء من كل الطوائف وكان يقول: هل تعلم ان بعد استشهاد الحريري صرنا نكتشف اسماء كثيرين من خريجي هذه الجامعات، لم نكن نعلم ان دراستهم كانت على حساب الحريري. علمنا بهم بعد رحيل الشهيد ولم يكونوا تحت الأضواء.

ما نعرفه عن غالبية حكوماتنا العربية أنها لا تهتم كثيراً بالتنمية الإنسانية أو بالمعرفة أو بأهمية المثقف والمفكر، هذا إذا لم تقم بقطع عقله ورميه طعاماً للكلاب. لهذا تشهد في عالمنا العربي ظاهرة هجرة العقول. صحيح ان الحريري قتل لكن قتله سيعيد لبنان الى وجهها المشرق، الى وجه أكثر ديمقراطية وأكثر مدنية وحضارة وتحديثاً، وها نحن نشهد خطوات فؤاد السنيورة هذا الوجه الرئاسي الجميل ذو النظرة التحديثية، الحضارية. الرهان اليوم على الإصلاح، على التحديث الإداري، على المواطنة اللبنانية وليس على الطوائف المتناحرة. ان دم الحريري وحّد اللبنانيين الشرفاء لاختيار مستقبل أكثر امناً. خامة الحريري لم تحترق فهي حاضرة في الجيل الجديد من اللبنانيين الذين يبحثون عن لبنان الديمقراطية الجديدة بلا ديكور وبلا مكياج وبلا رتوش.

اليك ايها الشهيد نقدم التعازي لك ولكل اللبنانيين ولكل العرب ولكل الشهداء الذين سقطوا بجوارك وليس بيدنا إلا أن نبدي التعاطف لمصابك الكبير ونقول لمن ارتكب هذه الجريمة اياً تكن هويته ما قاله الشاعر:

اضاعوه وأي فتى اضاعوا

إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"

العدد 1142 - الجمعة 21 أكتوبر 2005م الموافق 18 رمضان 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً