لا نفتح صحف الصباح إلا ونرى عناوين ساطعة عن مشروعات وزارة «الإسكان» لبناء بيوت لذوي الدخل المحدود، كما أنها تعلن دائماً عن اهتمام المسئولين بذوي الحاجات العاجلة التي يعيش اصحابها في اشباه بيوت، غرف مبنية من صفيح لإيواء أسر على السطوح أو بيوت توشك ان تقع على أصحاب الطلبات. لكنها تعلن فقط ولا نرى منذ زمن طويل انجازات حقيقية على رغم أن هذا النوع من الطلبات يتزايد واصحابها يعيشون في بؤس لا يتناسب مع دخل الدولة الذي تضاعف كثيراً مع زيادة أسعار النفط. وعندما أعود الى اصحاب الحاجات العاجلة بعد عدة اشهر أراهم مازالوا ينتظرون ولا نعلم متى ستتحقق هذه الامنية الغالية التي انتظرها بعضهم لمدة عشرين عاماً ولم تتحقق بعد.
قال لي احد هؤلاء البائسين: «عندما قدمت طلبي للحصول على شقة تأويني انا وأولادي الصغار، كنت أظن انني سأحصل عليها بعد عام. ولم اكن اتصور انني سأظل اعيش في هذا البيت الذي يسمى بيتاً جزافاً لمدة عشرين عاماً. لقد وصل ابنائي الى الجامعة وتخرج بعضهم، ومازلت على القائمة. لم احصل على البيت الذي اتمناه. اليوم انا بحاجة لأطلب بيوتاً لاولادي أيضاً لأنهم غير قادرين على شراء ارض أو بناء بيت وسط ارتفاع أسعار الاراضي والبناء. متى سنحصل على هذا الحق البسيط والمهم جداً بالنسبة لنا؟».
لماذا تفعل وزارة الإسكان ذلك للمواطنين البسطاء المحدودي الدخل؟ وعود ووعود... والبيوت لا تذهب في معظمها منذ سنوات إلا إلى اصحاب الواسطة أو لأشخاص غير محتاجين اليها يقومون بتأجيرها على غيرهم أو اهمالها حتى أصبحت مأوى للمدمنين على الكحول والمخدرات.
ماذا تنتظر وزارة الإسكان لتقوم بمنح طالبي الحالات المستعجلة بيوتاً يسكنونها بكرامة بدل بيوتهم التي تسمى بيوتاً بالاسم لا بالفعل؟ ولماذا لا تجتمع اللجنة التي تبت في الحالات البائسة المستعجلة الا بعد رمضان؟ هل هناك سبب آخر غير التعب بسبب الصيام، فهل رمضان اصبح شهراً للكسل ام للعمل والعبادة كما نعرف عنه إسلامياً؟
ذهبت منذ يومين لزيارة ارملة لديها ثلاثة ابناء في احدى طرق المحرق الضيقة مع الاستاذ عبدالكريم بوعلاي الساعي دائماً إلى تلبية حاجات الفقراء وحل مشكلاتهم. وفوجئت بغرفة على السطح ضيقة سقفها من حديد (صندقة)، لنتصور حرارة الغرفة في الصيف مع سقف من الحديد. لا توجد بها نافذة واحدة. بها سرير أطفال تراكمت به الملابس والشراشف، ومكيف قديم لا تقوم بتشغيله لكي لا يكلفها كهرباء، وغرفة داخلية ضيقة كانت مخزناً على سطح بين اسرتها حولتها الى سريرين لابنيها وتنام هي وابنها الثالث على الأرض بجانب ابنائها. لنتصور أربعة اشخاص ينامون في هذه الغرفة غير الصحية على الاطلاق. أولادها دائمو التذمر لضيق المكان فيخرجون للعب في الشارع وسط السيارات... اسرة بائسة تنتظر على احر من الجمر بيتاً من الاسكان واللجنة ستجتمع بعد رمضان... وليتها متأكدة من حصولها على بيت. طبعاً لا. حتى هذه المعلومة لا يمنحها المسئولون عن الطلبات. قالوا لها هناك غيرها الكثير من الحالات المستعجلة.
ماذا كانت تفعل وزارة الاسكان باموال الدولة طوال سنة؟ اخبار الفساد تنشر على صفحات الصحف بشأن التلاعب بالاراضي لسنوات طويلة. ولا ندري اين ذهبت اموال المواطنين الذين هم في أمس الحاجة اليها؟ اذا كان هناك الكثيرون من امثالها ينتظرون على احر من الجمر بيوتاً لهم... فماذا عن الحالات العادية؟
سألت محافظ المحرق سلمان بن هندي عن كيفية مساعدتها. تطوع بـ ديناراً ليتمكن الاستاذ عبدالكريم من دفع ايجار شهرين لشقة صغيرة لها لإنقاذها من هذا البؤس ويحاول ان يجمع من اهل الخير بقية المبلغ وهو ألف دينار ليتمكن من اسكانها لسنة كاملة. ووعدني بن هندي انه سيتصل بوزير الاسكان ليهتم بمنحها ذلك البيت. وامرأة أخرى طلقها زوجها بعد عذاب في المحاكم الشرعية وتركها من دون عائل مع ثمانية اطفال يسكنون جميعاً في غرفة واحدة. ازدحام يومي وبيئة غير صحية وفقر وبؤس لا يطاق واهمال لطلبها الذي مر عليه عامان منذ ان تقدمت به للحصول على بيت من وزارة الاسكان.
هل في الامكان ان ينهض المسئولون من غفوتهم أو اهمالهم لهذه الطلبات التي لا يسعها الانتظار وتلبية احتياجاتهم... والثروة منهالة على الدولة من زيادة أسعار النفط؟ ارجو ذلك من كل قلبي. فشعب البحرين الطيب المسالم يستحق بعض الاهتمام من المسئولين ونواب المجلس النيابي لحث المسئولين على تلبية احتياجاتهم في حياة كريمة وصحية.
كاتبة بحرينية
إقرأ أيضا لـ "سلوى المؤيد"العدد 1142 - الجمعة 21 أكتوبر 2005م الموافق 18 رمضان 1426هـ