العدد 1142 - الجمعة 21 أكتوبر 2005م الموافق 18 رمضان 1426هـ

إنفلونزا ميليس

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

ما نوع «الفيروس» الذي حقن به تقرير ميليس بشأن اغتيال رفيق الحريري الجسم اللبناني - السوري؟ التقرير يتضمن الكثير من المؤشرات السياسية التي يبدو أنها بحاجة إلى المزيد من الأدلة الأمنية الدامغة... ولكنه في النهاية يحدد الجهة والوجهة والمسار العام.

حتى الآن لا يعرف نوع «الفيروس» فهل هو من النوع القاتل أو من الصنف الذي يمكن التعامل معه والتكيف مع شروطه؟ الأمر يحتاج إلى وقت لمراقبة تفاعلاته وتأثيراته وتحديد قوته. وحتى تعرف النهاية لابد من الانتباه إلى البداية. فالمقدمات (الظنية) تقرر مسار النتائج المتوقعة وهي تشير إلى وجود شبهة سياسية/ أمنية تتحمل مسئولياتها الأجهزة اللبنانية - السورية التي كانت تشكل مظلة تمسك بتفصيلات الحياة العامة في البلدين.

المؤشرات تدل على أعلى المستويات في بيروت ودمشق، ولكن جرمياً هذا لا يعني أن «الفيروس» من النوع القاتل. حتى الآن القراءات ليست متطابقة. وكل جهة ترى في التقرير ما تريده بينما الحقيقة تتطلب المزيد من المعلومات والأدلة القضائية والإثباتات الدامغة والواضحة.

المعلومات الأمنية التي وردت في التقرير يمكن القول إنها تتمتع بقوة تحليلية للمسار الذي جرت فيه وقائع الجريمة إلا أنه حين يبدأ التقرير بإعادة تركيب المشهد تتراجع قوته نظراً إلى النقص في الأدلة الدامغة. فالتقرير قوي في عناصره التحليلية وتعوزه الأدلة الدامغة في عناصره التركيبية. وهذا التفاوت بين قوة التحليل وضعف التركيب يعطي فرصة للكثير من التأويلات التي تسمح للقوى السياسية بالتشكيك في صحة النهايات القضائية وتصنف الاتهامات في خانة الاشتباه (الظن).

السؤال هل يملك ميليس معلومات أخرى لم يشر إليها أو فضل عدم كشفها حتى لا يعطي فرصة للجهات المعنية بإخفاء معالمها؟ هذه نقطة. نقطة أخرى تفتح الباب لسؤال آخر. هل وصل ميليس في تحقيقاته إلى باب موصود ويريد المزيد من الوقت حتى يكتشف «الرقم السري» الذي يسمح له بفتح الخزنة؟

أسئلة كثيرة يمكن طرحها وهي في مجملها تتعلق بالأهداف الحقيقية التي تريدها الدول الكبرى من وراء الكشف عن جريمة الاغتيال. فتعيين الأهداف يساعد على تحديد الوسائل الواجب اتباعها لأن التعيين يشير إلى المراد من خلال التحقيق.

مثلاً، هل تريد الولايات المتحدة قتل «الناطور» أم «أكل العنب». إذا كان الهدف «قتل الناطور» فمعنى ذلك أن التقرير وضع المنطقة على خط التصعيد العسكري وأعطى ذريعة للقوى الدولية بتسخين الأجواء للدفع بهذا الاتجاه. وإذا كان الهدف «أكل العنب» فمعنى ذلك أن التقرير أعطى إشارة للتسوية والبدء في قطف الثمار السياسية. وإذا لم تتجه الأمور إلى هنا وهناك، فهناك متابعة (تقرير آخر) تستخدم التعاون الأمني (القضائي) الذي يحتاج اليه ميليس لتحويل ظنونه إلى أدلة يأخذ بها القضاء عند صدور أحكامه الاتهامية.

التقرير إذاً فتح ملف «أزمة الشرق الأوسط» على أوراق جديدة يمكن استخدامها للضغط السياسي على سورية من البوابة اللبنانية. كذلك فتح التقرير ملف الأزمة على احتمالات سياسية كبرى تستبعد من شروطها استخدام القوة العسكرية لتمرير الأهداف المرجوة من التحقيق في الجريمة. كذلك أعطى التقرير مهلة زمنية للتدقيق في المعلومات الظنية من دون أن يتورط في اتهامات نهائية.

الأبواب إذاً فتحت على احتمالات وكلها تسير في اتجاه واحد مستخدمة الكثير من المعلومات الأمنية والأدلة السياسية التي يشير إليها التقرير عن الجهة الفاعلة. ومشكلة هذه المعلومات أنها تنقصها الدقة الدامغة وتحتاج إلى إعادة بحث حتى تستكمل عناصرها وتتحول من اتهامات ظنية (اشتباه) إلى قرائن دامغة تؤكد صحة التحليل العام.

الخلاصة السريعة التي يمكن تسجيلها على التقرير أنه ليس سياسياً بالكامل ولا يتمتع أيضاً بأدلة دامغة وكافية للإدانة القضائية. فهو أرقى من «البيان السياسي» وأدنى من الحكم القضائي، وبسبب هذه الازدواجية السياسية/ القضائية ظهرت قوة التقرير في عناصره التحليلية ولم يكن على مستوى القوة المطلوبة في عناصره التركيبية.

التقرير بداية، وبعدها يمكن الحكم على البدايات من النهايات... وتحديد نوع «فيروس» الإنفلونزا

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1142 - الجمعة 21 أكتوبر 2005م الموافق 18 رمضان 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً