سهر كثير من الناس فجر الجمعة (مساء الخميس في نيويورك) للاستماع للتقرير الذي قدمته لجنة الأمم المتحدة المكلفة في التحقيق باغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري إلى الأمين العام للأمم المتحدة لبحثه في مجلس الأمن، والتفاصيل التي تم التطرق اليها ستهز الشرق الأوسط لفترة غير قصيرة. وإذا أخذنا في الاعتبار ما يجري في بغداد من محاكمة لأحد أبشع الطغاة (صدام حسين)، فإنه لا محال من اعتبار ما يجري في منطقتنا بداية لعصر جديد.
بغض النظر عما إذا كانت التهم ستثبت ضد المسئولين السوريين أو حتى ضد صدام حسين، فإن المهم ان أنظمة عربية تتم محاكمتها علانية، وملايين البشر يتوجهون إلى الفضائيات للاطلاع على معلومات كان الكثير يتحدث عنها ولكنها تبقى من دون حساب أو عتاب.
تقرير القاضي الألماني ديتليف ميليس بشأن اغتيال الحريري مكون من صفحة، وكما قالت فضائية «الجزيرة»، انه استند إلى «نتائج تحقيق اللجنة التي اطلعت على آلاف الوثائق واستمعت لإفادات شاهداً فضلاً عن فحص مسرح العملية، وعمل فيه محققاً من دولة». والتقرير يتحدث عن وجود «أدلة متطابقة تثبت في آن معاً» تورطاً «لبنانياً - سورياً في اغتيال الحريري»، وان «خيوطاً كثيرة تشير إشارة مباشرة إلى تورط مسئولي أمن سوريين في الاغتيال».
وأوصى ميليس باستمرار التحقيق لأن نتائج التقرير «تشير إلى أن تفجير الشاحنة (التي قتلت الحريري) نفذته جماعة ذات تنظيم واسع وموارد وقدرات كبيرة»، وانه يتعين على سورية «إيضاح جانب كبير من الأسئلة التي لم تحل». وزير الإعلام السوري مهدي دخل الله وصف التقرير بأنه «مسيس في المئة وبعيد عن الحقيقة والمهنية» لأنه يستند لروايات «شهود معروفين بمواقفهم المعادية لدمشق».
مهما كانت النتيجة، وسواء كان المسئولون السوريون واللبنانيون أبرياء أم غير ذلك فإن المواطن العربي يشعر بان عهد استفراد الأنظمة به قد انتهى، أو انه في طريقه إلى الزوال، ولا تنفع الشعارات التي تتحدث عن استهداف الأمة العربية (أو الإسلامية) وهي إدعاءات أن صحت مرة فإنها بالتأكيد أخطأت في مرات، فالناس ملت من تلك الشعارات.
النتيجة مهمة، ولكن ما هو مهم أيضاً هو ان المواطن العربي المسلوب الإرادة في جميع العواصم العربية بدأ يشاهد كيف تتم محاكمة من كان يحاكمه ويسجنه ويقتله من دون حساب. قد تكون هناك انتقائية أميركية في اختيار دمشق وبغداد لإجراء محاكمات في آن واحد، ولكنها انتقائية لن تضر الشعوب العربية والإسلامية في شيء.
لو راجعنا ما كان يفعله صدام حسين بالأكراد وبالعرب وبالإيرانيين من جرائم يندى لها الجبين لعلمنا مقدار الفرحة في قلوب المظلومين (وهم أكثرية شعوب المنطقة)، الذين يتردد على ألسن بعضهم ما قاله الإمام علي (ع): «يوم المظلوم على الظالم أشد من يوم الظالم على المظلوم».
بالنسبة لي ليس مهماً ان كان صدام سيتم إعدامه أم سيفرج عنه... المهم انه يجلس في قفص الاتهام، ويجلس معه كل الذين شاركوه في جرائمه عبر ممارسة القتل والتعذيب أو عبر كتابة مقالات التأييد. كما انه ليس مهماً ان تثبت براءة المسئولين السوريين أو اللبنانيين، فالمهم بالنسبة لي ان كل حاكم في منطقتنا سيفكر مئات المرات قبل أن يعود إلى ممارسة ما كان يمارسه ضد شعبه من دون حسيب أو رقيب
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 1142 - الجمعة 21 أكتوبر 2005م الموافق 18 رمضان 1426هـ