هي أقدم مؤسسة في البلاد، انطلقت قبل أكثر من 65 عاما، وتحديدا في العام ،1939 تغيرت الأشياء من حولها وتحركت مياه كثيرة في السواقي والنواعير والبحار، إلا أن التغيير في هذه المؤسسة كان في كثير من الأحيان لا يتجاوز تغيير العنوان وتبديلا في الاسم وألوان الشعار، حتى استقر بها الحال على اسم "غرفة تجارة وصناعة البحرين"، فبقي هذا الاسم في كثير من الأحيان فارغا من المحتوى والمضمون. وليس ذلك من قبيل التجني ولكنها لغة الأرقام حين تتكلم فتكشف لنا كم هي غائبة عن الواقع هذه الغرفة، وكم هي بعيدة عن التمثيل الحقيقي للتجار والصناعيين في البحرين، فعدد السجلات التجارية في البحرين يوشك أن يكسر حاجز 60 ألف سجل، لكن عدد أعضاء الغرفة يراوح عند حاجز 13000 عضو، وهذا يعني أن نسبة المسجلين في الغرفة من التجار والصناعيين لا تتجاوز 21 في المئة، أي خمس العدد الذي يحق له التسجيل في الغرفة. وقبل أن يتشاءم السادة القراء أضيف إلى معلومات الجميع أن الأعضاء المسددين لاشتراكاتهم "العضويات النشطة" لا يتجاوز عددهم 8000 عضو فقط، أي أن النسبة تنخفض إلى 13 في المئة فقط، ولا يتوقف الأمر عند ذلك إذا عرفنا أن من تتواصل الغرفة معهم من خلال الاتصالات بجهاز الفاكسميلي لا يتجاوز عددهم 4000 عضو فقط، أي أن النسبة تنخفض مرة أخرى إلى 6 في المئة من التجار والصناعيين في البحرين. وحتى تكون الصورة أشد وضوحا وأكثر صراحة فإن الجمعيات العمومية التي تعقدها الغرفة لا تحصل على أكثر من 300 عضو فقط في معظم الأحيان، وهو رقم مبالغ فيه إلى حد كبير، أي أن نسبة من يحضر الجمعيات العمومية من أعضاء الغرفة المسجلين رسميا تقف عند حد 2,3 في المئة، فإذا قارنا من يحضر الجمعية العمومية بحملة السجلات التجارية فإن النسبة تبعث على البكاء والحسرة والألم، إذ لا يتجاوز حاجز 0,5 في المئة فقط. ويبدو أن من يمسك بالقرار داخل الغرفة لم يعر مسألة تمثيل الغرفة للتجار والصناعيين الاهتمام اللازم طوال السنوات الماضية، ويمكنني القول بكثير من الثقة ان عدد أعضاء الغرفة كان سيشهد انخفاضا شديدا لو أن وزارة التجارة والصناعة لم تلزم عددا من القطاعات بالعضوية القسرية، وللتدليل على ذلك أشير إلى ان قطاع المقاولات يعتبر أكبر قطاع تجاري موجود في الغرفة، إذ ان عدد أعضائه يتجاوز 3000 عضو، وهم يحملون عضوية الغرفة بشكل إلزامي، ثم يأتي قطاع الذهب والمجوهرات الملزم أيضا بالعضوية، ويضاف إلى ذلك قطاع السفر والسياحة، وقطاع تجار الجملة المعني بالاستيراد والمصارف والمؤسسات المالية والشركات الكبرى التي تجد نفسها مجبرة على عضوية الغرفة على رغم يقينها بأنها لا تستفيد منها بالشكل المطلوب، وبالنتيجة فإننا سنجد أن أكثر من 5000 عضو في الغرفة من بين 13000 عضو المسجلين بها هم هناك على رغمهم، وبحكم القانون فقط. إن الأرقام تدل بشكل واضح على أن نسبة المجبرين على عضوية الغرفة تصل إلى 40 في المئة من أعضائها المسجلين، لكن هذه النسبة سترتفع بشكل ملحوظ إذا أخذنا في الاعتبار أن هؤلاء هم الذين يجددون اشتراكاتهم بشكل دوري سنوي بقوة القانون أيضا، وهنا سنجد أن نسبتهم سترتفع إلى أكثر من 60 في المئة من "العضويات النشطة". إن من حقنا أن نتساءل عن أسباب عزوف التجار والصناعيين عن الدخول إلى أروقة الغرفة، كما أن من حقنا أن نضع أكثر من علامة استفهام عن الخطط والبرامج التي قامت بها إدارات الغرفة المتعاقبة من أجل حل هذا اللغز الكبير بشأن حقيقة تمثيل الغرفة للتجار والصناعيين في البحرين، كما أن من المهم أن نتساءل عن الدور الذي يقوم به الجهاز الإداري للغرفة من أجل حصول الغرفة على تمثيل حقيقي للتجار والصناعيين في البحرين. وهنا، فإن من المفيد أن نلقي نظرة بسيطة على مصروفات وكلف هذا الجهاز الإداري المطالب ببذل دور أكبر مما يقوم به حاليا وخصوصا إذا عرفنا أن عددا من أفراد هذا الجهاز الإداري مر على وجودهم في الغرفة أكثر من 25 سنة، لكن الغرفة بقيت على حالها. تضم غرفة تجارة وصناعة البحرين أكثر من 69 موظفا في مختلف المواقع والمسئوليات، لكن نظرة سريعة فاحصة لهذا الرقم ستصيبنا ربما بفاجعة، تصوروا أن هناك 13 موظفا تجاوزت مدة خدماتهم 25 سنة، 11 موظفا تجاوزت مدة خدمتهم 20 سنة، 13 موظفا تجاوزت مدة خدمتهم 10 سنوات، أي ان من تجاوزت مدة خدمتهم في الغرفة 20 سنة يصل عددهم إلى 24 موظفا، وهو ما يمثل 35 في المئة من الموظفين، بينما من تجاوزت مدة خدمتهم 10 سنوات يصل عددهم إلى 37 موظفا بنسبة تصل إلى 71 في المئة. إن من المهم الإشارة إلى أن الاستقرار الوظيفي يجب أن يؤدي إلى زيادة الإنتاجية، وإلى معرفة كاملة بالإخفاقات ونقاط الضعف، وبالتالي السعي إلى تجاوزها ووضع الحلول الناجعة لها، لكننا في الغرفة لا نجد ذلك يحدث أبدا! وللتدليل على ما أذهب إليه أقدم إليكم هذه المعلومات، بعد كل هذه السنوات من عمل الغرفة، وكل هذا الاستقرار الوظيفي الذي يضاهي الاستقرار في الوظائف الحكومية، هل يتصور أحد من القراء أن الغرفة تفتقد هيكلا إداريا حقيقيا، وأنها لا تمتلك نظاما للمسميات والدرجات الوظيفية، وقد تتصورون أنني أبالغ إذا قلت لكم إن الغرفة ليس بها جدول للأجور، أو جدول للزيادات السنوية أو العلاوات الخاصة بالموظفين. ومن باب العلم بالشيء أضيف إلى القراء وخصوصا أعضاء الغرفة، أن عدد الإدارات في الغرفة يبلغ 10 إدارات، هي تحديدا مكتب المدير العام "الرئيس التنفيذي"، وإدارة شئون مجلس الإدارة، وإدارة الشئون الإدارية والمالية، وإدارة التجارة الخارجية والمعلومات، وإدارة العلاقات العامة، وإدارة اللجان، وإدارة الشئون القانونية والتحكيم، وإدارة شئون الأعضاء، وإدارة الدراسات الاقتصادية، وهناك إدارة خاصة باسم إدارة المتابعة. إن وجود كل هذا العدد من الإدارات يجب أن يؤدي إلى تفعيل دور الغرفة، وإلى تجانس حقيقي بين أداء مجلس الإدارة والإدارة التنفيذية، لكنني وبكل ثقة أقول ان هناك فجوة كبيرة بين الجهازين، وان كثيرا مما يجري داخل أروقة الغرفة يتم توجيهه بمعزل عن مجلس الإدارة، وهذا يطرح سؤالا مشروعا يجب أن نضع له إجابة حاسمة: هل تمثل الغرفة التجار والصناعيين في البحرين بشكل صحيح؟ وحتى تتضح الصورة أكثر أضيف هذه المعلومة: تبلغ المرتبات الشهرية لموظفي الغرفة ما يقارب 45 ألف دينار، وهو ما يعني أن مجموع المرتبات السنوية يصل إلى 540 ألف دينار تقريبا "متوسط رواتب الموظفين في الغرفة 652 دينارا لكل موظف مع ملاحظة أن بعض الرواتب تتجاوز 2500 دينار"، وهو ما يوازي مرتبات وزارة من الوزارات الحكومية، في حين تتجاوز المصروفات السنوية للغرفة حاجز مليون وربع مليون دينار، وذلك بكل تأكيد يزيد من علامات الاستفهام بشأن إنتاجية الغرفة وفاعليتها والأسباب التي تؤدي إلى عجزها في كثير من الأحيان عن القيام بتمثيل التجار والصناعيين في البحرين بشكل حقيقي. بالنسبة إلي أتمنى ذلك، وأتطلع إلى اليوم الذي تكون فيه الغرفة على قدر المسئولية الملقاة على عاتقها، لكنني واثق تمام الثقة من وجود خلل كبير وقصور في الأداء، وإذ ان الشيء بالشيء يذكر، أروي لكم هذا الموقف الذي يتكرر في الغرفة كثيرا. ففي العام 2004 زار البلاد وفـد تجاري آسيوي "تايلندي" متخصص في مجال الصناعات الغذائية بلغ عدد أفراده أكثر من 25 عضوا، وحين هبت الغرفة لدعوة التجار البحرينيين لملاقاة الوفد الزائر كان عدد من استجابوا لا يتجاوز 5 أفراد فقط. هل تعرفون ما هو الحل العبقري الذي تفتقت عنه ذهنية الجهاز التنفيذي في الغرفة؟ لقد طلب "أصبح هذا الطلب عرفا وتقليدا راسخا في الغرفة" من عدد كبير من موظفي الغرفة بالنزول لملء القاعات في مقابلة الوفد التايلندي، وحين بدأ الاجتماع، أحس الوفد الزائر بوجود خطأ ما! فما كان منهم إلا أن طالبوا بالتعارف مع الوفد المقابل، وهنا حدثت الكارثة، فبدأ عدد من الموظفين في الانسحاب، واعترف عدد آخر بأنهم موظفون في الغرفة، ولجأ عدد منهم إلى ابتكار مسميات وأنشطة تجارية بأسماء وهمية، وكان واضحا أن الوفد التجاري اكتشف الخدعة! ترى من المسئول عن عشرات الخدع التي وقعت فيها الوفود التجارية الزائرة للبلاد والمعارض التجارية التي تقام في الغرفة، ولا يحضرها سوى الموظفين وعدد محدود من التجار، وربما المندوبين؟ وهل يتم ذلك بمعرفة وعلم مجلس الإدارة أم انهم نائمون في العسل؟ وهنا لابد من الإشارة إلى أن تحديات كبيرة تواجهها الغرفة في المستقبل القريب، فإذا كانت الغرفة تعتمد في جزء كبير من إيراداتها على الاشتراكات السنوية التي يتم اقتطاعها عنوة من الأعضاء بواقع 10 في المئة من قيمة رسوم التجديد في السجل التجاري، فإن هذه الإيرادات ستواجه أزمة حادة بعد أن قررت وزارة التجارة والصناعة خفض رسوم التجديد وتوحيدها بالنسبة إلى كل السجلات التجارية، وجعلها لا تتجاوز 10 دنانير كرسوم إدارية رمزية. كيف ستتصرف الغرفة إذا اختفى هذا الإيراد الذي يقدر بأكثر من 700 ألف دينار سنويا؟ ثم كيف ستتصرف الغرفة إذا قررت الحكومة لسبب أو لآخر إيقاف الدعم المالي السنوي الذي تقدمه إلى الغرفة والمقدر بنصف مليون دينار كل سنة؟ ربما يكون المبنى الجديد للغرفة جزءا من الحل، لكن الحل الأكبر سيأتي عبر تفعيل دور الغرفة وتنظيم الفعاليات والأنشطة والبرامج التي من شأنها تعزيز التواصل مع مجتمع المال والأعمال في البحرين من خلال المؤتمرات والمعارض والندوات والدورات والورش التدريبية. وأخيرا فإن هذه الغرفة بحاجة فعلية إلى تجديد كل شيء تقريبا، هي بحاجة إلى أن تكون لها استراتيجية، وأن تكون لها رؤية وأن تكون لها رسالة، وأن تتم مراجعة أهدافها وتقييم أدائها بشكل دوري، حتى لا تتكلس إلى درجة لا يمكن علاجها، فقد بلغت من العمر عتيا، وآن لها أن تجدد شبابها وتصنع لها دورا واضحا. * كاتب بحريني
إقرأ أيضا لـ "محمد حسن العرادي"العدد 1140 - الأربعاء 19 أكتوبر 2005م الموافق 16 رمضان 1426هـ