أسئلة كثيرة يمكن طرحها بشأن محاكمة صدام حسين ورفاقه. فالأسئلة تدور حول توقيت المحكمة وتتعلق بتلك الأهداف المتصلة بتداعياتها الأهلية وكيف ستنظر إليها الطوائف والمذاهب والأقوام والقبائل العراقية والعربية. المحاكمة بالنسبة إلى الولايات المتحدة ليست مهمة. فما تريده من العراق حققته قبل الاحتلال وبعده. والآن كما يبدو جاء دور ترتيب العلاقات الداخلية في ضوء محاكمة القصد منها إلهاب المشاعر العصبية واللعب على الانقسامات وتفخيخ ما تبقى من أبنية أهلية وهدم جسور الثقة وبناء جدار من الكراهية والفرقة والخصومات. فالاحتلال يريد من المحاكمة ليس معرفة الحقيقة ولا معاقبة الدكتاتور ولا مكافحة الظلم ولا محاسبة المسئول عن أفعاله الإجرامية. فهذه الأهداف ليست الغاية من وراء محاكمة صدام ورفاقه وانما هي وسيلة شريرة لتحقيق غايات أخرى تقوم على تعزيز سياسة "فرق تسد" وتثوير الحساسيات المذهبية والنعرات الطائفية. محاكمة صدام ورفاقه يجب النظر إليها من جهة انعكاساتها السلبية وتداعياتها الأهلية على العلاقات الداخلية في العراق. فهي حق يراد بها الباطل. والباطل في القراءة الأميركية للمحاكمة يكمن في اثارة تلك العصبيات الكامنة والظاهرة وإعادة إنتاجها في ضوء تقسيمات مناطقية كشفت عنها عمليات التصويت على الدستور العراقي. فالاستفتاء، وبغض النظر عن نتيجته النهائية، أظهر نوعا من الاستقطاب الأهلي المخيف. المحافظات الشيعية سجلت نسبة عالية من الموافقة على الدستور. كذلك اتجهت المحافظات الكردية. بينما سجلت المحافظات السنية نسبة عالية على رفض الدستور. فالاختيارات لم تكن سياسية وانما طغت عليها نزعات مذهبية وطائفية وأقوامية. فالقراءة للدستور لم تكن نتاج وعي لموضوعة الدولة ودورها في إعادة تأسيس علاقات أهلية انهارت بعد الاحتلال. فالكل صوت بالاتجاه الذي يراه يتناسب مع خسائره أو مكاسبه الطائفية والمذهبية والأقوامية. ولم تفكر المناطق في مسألة الدولة "وحدة العراق" الا قلة قليلة. وهذه القلة القليلة لا تستطيع مغالبة كل الفرقاء في وقت يتجه العراق نحو ترسيم حدود سياسية للطوائف والمناطق في إطار صيغ قانونية تشرع القسمة وفق موازين قوى ارتسمت على أرض الواقع. محاكمة صدام ورفاقه وفي هذا التوقيت وفي ظل افتعال مشهد درامي أمام عدسات الكاميرات المحلية والإقليمية والعالمية... القصد منها تفخيخ العلاقات الأهلية وإثارة أحقاد والتشجيع على تطوير استقطابات سياسية ليست بعيدة عن الانفعالات المذهبية والطائفية. القصد الأميركي من وراء إجراء محاكمة علنية لصدام ورفاقه تحت سقف الاحتلال ليس الكشف عن الحقيقة ومحاسبة المسئول عن جرائمه. فهذا الأمر آخر ما تفكر به إدارة شريرة تقود الولايات المتحدة. القصد من وراء المحاكمة العلنية هو كشف تلك العلاقات الأهلية المتوترة وشحنها بالمزيد من الكراهية والأحقاد بهدف تفخيخها سياسيا إلى أن يحين موعد تفجيرها. فالمحاكمة تريد إثارة فتنة وليس تعليم الدول العربية أصول المحاكمات الدستورية وتدريب الناس على تعلم مبادئ العدالة و"الديمقراطية". فالولايات المتحدة تدرك الواقع العربي - الإسلامي وتعلم جيدا أن الانقسامات العصبية المذهبية والطائفية تسيطر على الاجتماع الأهلي وهي التي تحرك آليات التفكير وبالتالي هي التي تتحكم في صنع القرار. انطلاقا من هذه القراءة الأميركية الدقيقة للواقع العراقي وامتداداته الأهلية العابرة للحدود العربية والإيرانية والتركية قررت إدارة الاحتلال إجراء المحاكمة في ظل هذه الأجواء المشحونة والمتوترة لتسخين درجة حرارة الفتنة والتذرع بها لتغطية الاحتلال والاستمرار به وربما توسيع جغرافيته. مشهد المحاكمة العلنية وأمام شاشات التلفزة الممتدة من المحيط إلى الخليج يهدف إلى حقن المشاعر وإلهابها وشحنها بالأحقاد والكراهية. فالمشهد مشروع فتنة كبرى وليس مجرد محاسبة قانونية لدكتاتور على جرائمه السياسية. ولأن الهدف المقصود هو إثارة الفتنة وتوريط المنطقة في مواجهات إقليمية بات الأمر يتطلب من كل المراجع العاقلة والمسئولة في العراق وخارجه إعلان البراءة من هذا المشروع التقويضي للعلاقات الأهلية... وبالتالي الدفع باتجاه الانسحاب من مشهد المحاكمة/ الفتنة
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 1140 - الأربعاء 19 أكتوبر 2005م الموافق 16 رمضان 1426هـ