مساء أمس كنت ضمن عدد من المدعوين، من بينهم نائب رئيس الوزراء الشيخ عبدالله بن خالد آل خليفة، إلى "صلاة الجماعة" و"الإفطار" في "منزل السفير الأميركي ويليام مونرو". .. وضيف الشرف الرئيسي كان أميركيا مسلما هو الإمام يحيى هندي، الذي عقب على حديث السفير بـ "خطاب إسلامي" أكد خلاله أنه يفخر بأنه مسلم ويفخر بأنه أميركي، وأن المسلم هو من سلم الناس من يده ولسانه، وأن تعاليم محمد "ص" هي أسمى التعاليم الإنسانية التي حرصت على إقامة المجتمع الآمن والمتطور ثقافيا وحضاريا. المهم في الأمر أن صلاة الجماعة أقيمت في منزل السفير، والجميع انتظر الأذان قبل أن يبدأ في الطعام، وكانت أمسية رمضانية مملوءة بالحديث عن السمو الأخلاقي للدين الإسلامي. نائب رئيس الوزراء عقب على حديث الإمام يحيى بتأكيد مفاهيم السماحة الإسلامية، واكتمل الحوار لاحقا مع الدخول في تفصيلات كثيرة تتعلق بالخطاب الإسلامي المسيطر على الشارع المسلم في شتى بقاع العالم. الخطاب الذي سمعه الحضور مساء أمس ليس جديدا لأنه مستمد من القرآن والسنة النبوية الشريفة، لكن ما هو جديد هو انطلاقه من منزل السفير الأميركي، ومن شخص يبدأ حديثه بإعلان فخره واعتزازه بدينه الإسلامي وبجنسيته الأميركية التي اكتسبها عبر الهجرة إلى تلك الأرض البعيدة جغرافيا والقريبة جدا من جميع النواحي، السياسية والاقتصادية والثقافية. لعلنا نعيش زمنا مختلفا بعد حوادث 11 سبتمبر/ أيلول ،2001 فقبل فترة وجيزة التقيت الصحافي الأميركي الشهير توماس فريدمان وكان قادما من البصرة، وقبل مجيئه إلى البحرين التقى القادة والجنود الأميركيين الذين يحمون محطة تصدير النفط العراقي في شمال الخليج العربي. وقال أثناء حديثه إن من بين الشخصيات التي التقاها كانت إمرأة عسكرية أميركية من أصل إيراني، وهذه العسكرية تمارس دورها المنوط بها على أتم وجه، وهي أكثر معرفة بما يدور حولها لأنها تتحدث لغتها الأصلية "الفارسية" وتستطيع أن تتعامل مع البحرية الإيرانية التي تمارس نشاطها بالقرب من ساحة العمليات الأميركية. وأتخيل ان العسكرية الأميركية "الإيرانية" لها يوميا محادثات مع حراس الثورة القريبين منها... وهي في هذه الحال تتحدث بصفتها أميركية تدافع عن الأمة الأميركية ومصالحها العليا. عودا على مساء أمس، فإن الإمام يحيى هندي "وأعتقد أنه عربي الأصل"، يعطينا صورة عن أميركا من نوع آخر. انها أميركا التي تحب أن تصف نفسها بـ "البوتقة المنصهرة"، بمعنى أنها تصهر كل الأعراق وكل أنواع الناس ضمن بوتقة واحدة يطلق عليها اسم الولايات المتحدة الأميركية. وهذا الوجه الجديد لأميركا يتحدى كثيرا من المفاهيم التي ترسخت في أذهاننا، لأنه وجه يتحدث بلغتنا ويشاطرنا الهوية الثقافية، ولكنه أيضا يطرح نمطا آخر من التفكير الذي لا يمكننا اغفاله أو تجاهله. مع ختام إفطار الامس تذكرت وصف فريدمان للايرانية التي تعمل مع البحرية الاميركية في مياه الخليج، ونظرت الى الامام يحيي عدة مرات، وراجعت نفسي وتساءلت فيما اذا كانت أميركا اصبحت تتخطى كل الحواجز القومية، تماما كما تخطى الاسلام كل الحواجز الاثنية والقبلية وتمدد في كل مكان لأنه حمل رسالة تتخطى الحدود التي يسطنعها الانسان لنفسه. كما تساءلت فيما اذا كنا لازلنا ننظر الى قضايانا من زوايا محدودة ومختنقة طائفيا واثنيا وقبليا وقوميا. تنطلق أميركا في مساحة تصهر فيها المسلم وغير المسلم بينما غدونا "نفتت" أنفسنا في بوتقات متعددة لا أول ولا آخر لها
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 1140 - الأربعاء 19 أكتوبر 2005م الموافق 16 رمضان 1426هـ