تتعدد الذكريات وتختلف باختلاف الزمن، وفي زحمة دوامة العمل اليومي لا نستطيع أن نستمتع بتحفيز ذاكرتنا للتذكر إذ تداهمنا الهموم اليومية كما تداهمك الاعلانات التجارية وانت مندمج تتابع أحد المسلسلات الرمضانية الجميلة على رغم قلتها.
فمناسبة القرقاعون أو الناصفة على رغم توحد الاحتفالية كتوقيت كونها في النصف من شهر رمضان واختلاف سبب الاحتفالية الديني عند الشيعة بولادة الامام الحسن المجتبى، فإن الذاكرة تظل تحتفي بالكثير في مثل هذه المناسبات السعيدة على كل حال.
ذاكرتي تختزن الكثير مثلما ذاكرتكم تختزن أيضا... فذاك الكيس الرصاصي المتوسط الحجم الذي صنعته أمي ومكتوب عليه بالفولك الذهبي (حمد) يشبه الكيس ذا اللون نفسه لأخي (بدر)... إذ يكون الحماس مولعا إلى حد لا يوصف وننتظر ذاك اليوم الذي نميزه عن العيد بأن يكون مساء والعيد في الصباح الباكر... كنا نمر على جميع البيوت في تلك المنطقة الجميلة رأس الرمان... لا نؤجل ولا نتأخر فنحن نمشي على برنامج مدروس من شأنه أن يمسح المنطقة بيتا بيتا... لذلك عندما أخذت ابني فواز ذات يوم في جولة سياحية في أزقة رأس الرمان صرت أوصف له بيوتاتها من الداخل تفصيلا دقيقا حتى تصور أن جميع هذه البيوت ملك لنا!
مكونات تلك الناصفة كانت تخلو من الشيبس والمينو وكانت لا تعرف الكاكاو أو العلكة بأنواعها، ولم تكن تعرف تلك التحف المزركشة أو الليبلات المحشوة بالصور، كانت تحتوي على المكسرات بشتى أنواعها الموجودة كما هي عند الكراشي، وهي نفسها الناصفة التي مازالت جدتي توزعها إلى الآن، بعض البيوت الميسورة هي التي كانت توزع الفلوس ( فلساً وأقل) وهي البيوت التي ترى التجمهر على أبوابها.
ناصفة تلك الايام لا ترى الخادمة الفلبينية أو الاثيوبية أو تلك المربية الهندية واحدة تمشي خلف وأخرى من أمام الطفل وكأنهما حرس الشرف! هي ناصفة تمتلئ فيها الطرقات بالناس وتعج بالمباركة بين الافراد على عكس ما لمسته أمس الاول في عراد وكأن الناس نسوا بأن هناك قرقاعون أصلا، واكتفوا بعمل التحف المعدودة لتوزيعها على المقربين وكفانا وإياكم شر القتال!
جميلة هي بعض الاماكن المحافظة على تراثها... فالقرى مثلا لم تنقرض الناصفة فيها ولكنها تطورت... فترى البرامج والمسابقات والجوائز هي التي تسيطر على الساحة أكثر من تلك الزيارات المكوكية لإجراء المسح كما كنا نفعل في السابق على البيوت لجمع الناصفة.
ولكن تبقى هذه المناسبة ومثلها المناسبات السعيدة الكثيرة فرصة لتحرك ذاكرتنا وتعطينا فرصة أيضا لنتذكر شيئاً نحن نحبه على الأقل... أو ما رأيكم؟
إقرأ أيضا لـ "حمد الغائب"العدد 1139 - الثلثاء 18 أكتوبر 2005م الموافق 15 رمضان 1426هـ