العدد 1139 - الثلثاء 18 أكتوبر 2005م الموافق 15 رمضان 1426هـ

كوميديا سوداء في "رعاية الفساد"!

أحمد البوسطة comments [at] alwasatnews.com

تأملت الأرقام المفزعة المطروحة تحت "قبة البرلمان" وخارجه للفساد الكبير بمحاوره الثلاثة: تسريبات الموازنة العامة للدولة، والعمولات على المشروعات والمشتريات الحكومية، ثم المحور الثالث والأهم على الإطلاق؛ وهو: وضع اليد على الأراضي في البر والبحر. وتبادر إلى ذهني قول فلسفي مأثور طبقا للبناء الطبقي للمجتمع حول هذه الأرقام التي من المفترض أن تكون: "زفرة للمضطهدين"، بحسب التعبير الشهير في فلسفة الحياة للحد من هذه الظاهرة الخطيرة التي نهشت المجتمع طيلة ثلاثة عقود، ولم تتوقف حتى يومنا هذا، دون حسيب أو رقيب، وبحماية المادة "54" من مجلسي الشورى والنواب، أو بنزع صلاحيات الرقابة والتشريع الحقيقيين للبرلمان. يبدو أن البحرين قد اختارت معادلة سياسية تتيح للناس قول ما يشاءون، وتفعل الحكومة ما تريد، سواء هذا القول من تحت قبة البرلمان أو من خارجه، إذ إن جهاز التحكم في مجريات الأمور بيد الحكومة؛ وعليه، فإن على المرشحين لانتخابات 6002 المقبلة أن يكونوا صريحين مع ناخبيهم، لا أن يزايدوا ببرامج خارجة عن الواقع، وكأنك يا زيد ما غزيت! على المرشحين للانتخابات الجديدة أن يتحلوا بالشجاعة الأدبية، ويعلن كل واحد منهم "انه سيخوض التجربة لتحسين أوضاعه المعيشية الخاصة به، راتب ولا في الحلم، وامتياز، وربما راتب تقاعدي مدى الحياة لخدمة الشعب أربع سنوات، وسيارة فخمة، وعشرة آلاف دينار تحسين أوضاع إلى آخره، هذا أولا؛ وثانيا، يعلن عن وطنيته: سأفعل ما أستطيع لتعرية الفساد الإداري والمالي بالصراخ، وتأكيد انه لن يستطيع حتى الحد منه، لا مكافحته" شأنه شأن الذي يصرخ من خارج قبة البرلمان. هذا إن وجد مرشح صادق مع نفسه، وليس مع الناس فيما بعد. بين يدي "مضبطة" من مداخلات للنائب يوسف زين العابدين زينل في الجلسة الاستثنائية رقم "31" بتاريخ 52 يونيو/ حزيران 5002 حمل فيها "الحكومة المسئولية في تأخر مناقشة وإقرار الموازنة بعد مرور حوالي "6" أشهر على بدء السنة المالية"، وقال إن "الحكومة غير شفافة في تقديم البيانات والمعلومات بحسب الأصول، بل هي تقدم المعلومات بالقطارة، وكلما طلب منها وليس من تلقاء نفسها وحسب الأصول التي يجب أن تتبع في تقديم موازنة متكاملة". وأضاف زينل: "ان الأركان الأساسية لما يعرف بالحكم الرشيد ال امفكم، أو الجيد أو الصالح، هو إضفاء مزيد من الشفافية والإفصاح في تعاملاتها، خصوصا تجاه الموازنة العامة للدولة والتي على أساسها تقاس المؤشرات الدولية لمدى شفافية الدولة والتزامها بالمعايير الدولية". ونبه زينل إلى انه "لا يمكن بأي شكل من الأشكال القبول بموازنة ناقصة في باب الإيرادات". وأشار من جهة أخرى إلى أن اللجنة المالية "لم تستلم حتى تاريخ 91 يونيو/ حزيران تقرير شركة ألمنيوم البحرين "ألبا" على رغم أن اللجنة طلبت المعلومات من الحكومة بتاريخ 82 ديسمبر/ كانون الأول 4002، وهذا غير جائز لبرلمان يقر ما يرصد لهذه الشركة من مصروفات، كما بين النواب الآخرون فيما يتعلق بقرض توسعة الخط الخامس لمصهر الألمنيوم، فكيف بالله تمتنع الحكومة عن إضافة إيرادات الشركة المقدرة بمليار دينار؟! فهل هناك ما هو مبرر، أم أن ذلك يدخل ضمن المحرمات والخطوط الحمر؟! ربما صراخ زينل والنواب الآخرين اعتمد منه عشرة ملايين لكل موازنة سنوية في موازنة 5002 و6002، من أصل مليار، ومع ذلك، فإن صراخ النواب غير كاف، ولا يحسب لهم انتصارا، إذ إن الأرقام المفزعة الأخرى، خرجت من خارج قبة البرلمان، وكانت أكثر صراحة، بدقها ناقوس الخطر فيما يتعلق بالمحاور الثلاثة سابقة الذكر بالنسبة إلى الإيرادات التي لا يتم حسابها، مثل اختفاء بعض الدخل النفطي، كما بينها رئيس "وعد" إبراهيم شريف، إذ قدرها باختفاء 531 مليون دولار من حساب 3002 الفعلي لتمويل مصروفات خارج الموازنة، وكذلك الدخل في الاستثمارات، حين قدرتها الحكومة بـ 54 مليون دينار في موازنة 5002، واعتبر شريف هذه الأرقام غير متسقة مع النتائج الفعلية في موازنة 5002 المتوقعة بأكثر من 631 مليون دينار، أي اختفى أكثر من 09 مليون دينار! وبالمناسبة فإن 09 مليون دينار، لا تعني "09 روبية" حتى يتجاهلها النواب! النواب ربما حاولوا جاهدين لكشف أرقام "مختفية"، لكنهم لم يذكروا الأسباب الحقيقية وراء الأرقام الحقيقية، التي عددها شريف بـ "تمويل الدواوين المختلفة والمصاريف الخاصة، وتمويل مصاريف الدفاع خارج الموازنة". خلال ثلاث سنوات من عمر المجلس الوطني، لم يتطرق النواب إلى حجم الاراضي التي وضعت اليد عليها في غياب القانون، غير أن المعارضة خارج قبة البرلمان قدرتها بأكثر من 002 كيلومتر مربع، يضاف إليها حوالي 06 كيلومتر مربع من الأراضي البحرية المدفونة منذ السبعينات، وعشرات الكيلومترات من الأراضي البحرية التي تم أو يتم توزيعها على أصحاب السلطة والنفوذ، وقدر إبراهيم شريف قيمة الأراضي الموضوع اليد عليها في غياب القانون بـ "5,91 مليار دينار" أي ما يعادل خمسين مليار دولار! "مو خمسين ربية... عن الغلط ها!". ومن الكوميديات السوداء، في الأرقام المطروحة "تحت قبة البرلمان" وخارجها أعطى شريف رقما قال فيه: كل ما نحتاجه 5,53 كم مربع لإسكان كل شعب البحرين، الفقراء والأغنياء منهم، بمعدل كل عائلة 005 متر مربع لبناء مسكن، لكن المفارقة العجيبة، أن الأراضي التي تم وضع اليد عليها في البر والبحر أكثر من 062 كم مربع، وما يحتاجه شعب البحرين 5,53 كم مربع، والأعجب من ذلك، أن المستفيدين من الوضع غير القانوني لأراضي الدولة هم الذين ليسوا بحاجة إلى قطعة أرض، وليس سرا على أحد حجم الأراضي التي استفاد منها المتنفذون، فالناس يعرفون موقع القسائم، بينما الفقراء، لا حول لهم ولا قوة، يتنقلون من شقة إلى شقة، ومن مشقة إلى مشقة "والرازق الكريم". أخيرا... هذه الكوميديات السوداء بهذه الأرقام المفزعة، ألم تكن "زفرة للمضطهدين"؟! ما نطمح إليه: قليل من العدل، وقليل جدا من التوزيع العادل للثروة، حتى لو كانت بنسبة عشرة في المئة... فهل هذا كثير؟

العدد 1139 - الثلثاء 18 أكتوبر 2005م الموافق 15 رمضان 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً