حتى لو كانت وراثة الملكية التجارية واضحة، هناك خطر في اعتبارها وراثة إدارية. وموضوع إرث الإدارة هو الأكثر أهمية عندما ندرك بأن 90 في المئة من شركات المنطقة عائلية. فبينما تكون ضوابط الحوكمة الإدارية في الشركات المساهمة قادرة على تعيينات منفصلة بعض الشيء عن الروابط العائلية، تواجه الشركات العائلية التزامات ليست بالضرورة مقتصرة على أسس عملية، اذ يتاح للشركات المساهمة تعيين إدارة عليا من أي كان، في حين نرى في الكثير من الحالات حبكة المالك المدير بتعيين مسئول من احد افراد عائلته. مدى الأهمية في الاختيار تختلف من شركة عائلية الى اخرى، ولكن الواقع يبقى كما هو. في حين يقوم المالك-المدير يوميا بإدارة الشركة وانشغاله بعملائه، لا يبقى لديه الوقت الكافي لوضع خطط الوراثة الإدارية للشركة. وإذا سألت المالك من سيفضل أن يتسلم القيادة من بعده، ففي عصر الاستنساخ يمكن أن يرد عليك "مازحا" بأنه سيفضل نفسه، بكل تأكيد! ولكن لهذا الجواب واقع مغمور في عقول بعض مالكي الشركات. أن الآباء يتوقعون استمرار إدارة الشركة من قبل أبنائهم، وهذا يزداد صحة كلما رأى المرء مدى نجاحه، ورغبته بأن يرث أبناؤه هذا النجاح. ولكن الاهم من موضوع التعيين هو إعداد الجيل الجديد للقيام بأعمال الشركة. ومرحلة التأهيل لا تبدأ بالدراسة، أو حتى العمل مع الوالد في الشركة. بل تبدأ في المنزل. تبدأ من أول لحظة ينطق فيها الابن كلمة "مصروف" أو "فلوس". إذ ان هذه المرحلة المهمة هي التي تشكل الشخصية المالية للأبناء. اذ تكمن مسئولية الأب في إرشاد أبنائه إلى مفهوم المال. الكل يتمنى لنجله الحياة الطيبة والسعادة، ولكن الأب ليس مجرد مصدر مال. فمن حق الأبناء ايضا التعرف على معنى النقود، والادراك بأنها وسيلة وليست غاية. وهنا يتوقف الأمر على الأب والأم في توجيههم نحو مفهوم الإدارة المالية، حتى لو كان الحديث عن مجرد مصروف بسيط. وعموما تختلف طرق وكيفية تحديد هذه التربية المالية، وربما الأفضل منها هو ما ينتج عن خبرات الأب نفسه في جني الأموال، وتقديمها للأبناء عن طريق إرشادات عملية ومشاركتهم في النقاش عن أعمال العائلة. هذه التربية المالية تزرع في ابنائهم احتراما ليس للمال فحسب، بل للعمل، والتعرف على الأسس التي بنيت عليه الشركة. ولاسيما شخصية الأبناء تختلف عن شخصية الأب، ويظهر هذا الاختلاف عند التشاور مع الأبناء. وسيدرك الأب هذا الاختلاف عندما يحين الوقت لعمل الأبناء في المؤسسة، ويعرف مدى قدراتهم ورغبتهم في العمل بالشركة. المناخ الاقتصادي ليس بما كان عليه قبل 10 ولا حتى 5 سنوات، والتغيرات في السنوات المقبلة ستميز الشركة الواعية عن الشركة النائمة، ومن لديه أبناء قادرون ليس فقط على تحمل المسئولية، بل التحلي بالحدس التجاري. وكما ان ابن الفارس ليس بالضرورة فارسا ايضا، فان الحدس التجاري مكتسب عن طريق فلسفة واعية من قبل الوالدين في تربية قادة المستقبل. نحن هنا نتحدث عن الشركات التي بنيت على أسس اقتصادية وليست على ثغرات قانونية. الشركات التي تقف على مبادئ مهنية، وليست على هياكل ضعيفة قابلة للزوال. وكلما كان وراء تلك الشركات أبناء البلد، يكون هناك ما يزيدنا فخرا وما يجعل من نمو اقتصادنا نموا واعدا
العدد 1139 - الثلثاء 18 أكتوبر 2005م الموافق 15 رمضان 1426هـ