العدد 1139 - الثلثاء 18 أكتوبر 2005م الموافق 15 رمضان 1426هـ

الحرب على المؤسسات الخيرية... "كفاية"

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

قبل سنوات كنت أشرف على تحرير مجلة شهرية، تهتم بشئون الأم والطفل، وتتناول قضايا التربية من تجربة الحمل والولادة إلخ، وكانت المواضيع تتطلب نشر بعض صور ذات علاقة بالحمل والرضاعة. وكانت المجلة توزع خليجيا، وتذهب نصف الكمية إلى أحد البلدان المجاورة، الذي يشهد رقابة مشددة على الصور. في بعض الأحيان يتم قص الصفحة التي تحتوي صورة امرأة ترضع طفلها، وأحيانا يتم صبغها باللون الأسود. وأحيانا تجري العملية ذاتها على الموضوعات، فتتلقى المجلة سيلا من المكالمات والطلبات للتزود بالمادة الممنوعة. في إحدى المرات، تم "تسويد" موضوع خاص عن العلاقة الزوجية، وبلغ الناشرة الاجنبية ذلك، فقررت أن ترسل نسخا من الموضوع لكل من يطلبها مهما كلف الأمر. وكانت تقول ضاحكة: "هل يمكن تصور أن تكون هناك وزارة كبيرة مهتمة فقط بملاحقة الصور في كل المجلات التي تدخل تلك السوق الكبيرة؟ وكم من الموظفين تحتاج الوزارة للقيام بوظيفة تسويد الصفحات غير المرغوبة؟ ذكرني ذلك وأنا أقرأ الرد على مقال سابق، وافتنا به العلاقات العامة والإعلام بوزارة الشئون الاجتماعية، وما جاء فيه من توفير الوزارة "مكتبا خاصا لتوفير خدمة ختم الكوبونات"! ويشكك في "ادعاءات الكاتب بتضرر صناديق خيرية من اجراءات الوزارة". من حسن حظ كاتب الرد انه في اليوم التالي لإرساله عبر الفاكس، وصله أمر "من فوق" بسحبه، فاتصل طالبا إلغاءه، وهذا ما حدث، ولكن يبقى ما جاء فيه من رد ضعيف، يكشف عن عقلية البيروقراطيين الذين يكلفون أنفسهم عناء ملاحقة ورصد أماكن الحصالات بدل التفكير في دعم خطط ومشروعات الجمعيات والصناديق الخيرية وتسهيل مهماتها المشرفة وخدماتها الجليلة في المجتمع. الباحث الاقتصادي حسين المهدي، المشرف على "دراسة اقتصادات الصناديق الخيرية في البحرين"، والذي قدر الموازنة الإجمالية لعدد 92 صندوقا خيريا منتصف التسعينات، بمبلغ 6 ملايين دينار، يتوقع على ضوء دراسته أن تؤثر إجراءات وزارة الشئون الاجتماعية الاخيرة على الايرادات وتحرم المجتمع وطبقاته الفقيرة من 21 مليون دينار على الأقل. وإذا كان من السهل على المسئولين البيروقراطيين اتهام الصحافي في نياته ودوافعه، والتشكيك في دقة معلوماته "حتى وإن كان عاملا منذ سنوات في أحد الصناديق الخيرية الكبيرة"، فإن اللعبة نفسها لا يمكن ممارستها أمام حقائق يطرحها باحث اقتصادي متخصص ومهتم بهذا القطاع الحيوي في المجتمع. فالمهدي رئيس صندوق سار الخيري سابقا، ورئيس اللجنة التنسيقية المؤقتة للصناديق الخيرية، التي كان من الممكن أن تكون نواة لاتحاد الصناديق قبل أن يتم تطييف كل مؤسسات المجتمع للأسف الشديد، "علما بأن نائبه كان عبد الحكيم ابراهيم الشمري من صندوق المحرق الخيري". المهدي الذي اعتمد على جهود ذاتية في إعداد دراسته المهمة، كان من أوائل من انتبهوا إلى أهمية هذه المؤسسات المدنية وما يمكن أن تلعبه من دور على مستوى المجتمع البحريني، في ظل تفاقم المشكلات الاقتصادية وزيادة أعباء الحياة اليومية، وتوسع رقعة الفقر في هذا البلد. وإذا علمنا ان الباحث اعتمد في دراسته على ما تلقاه من معلومات وردته من 92 صندوقا خيريا فقط من بين 04 وجه إليها استمارات البحث، يتبين لنا مدى "أهمية استمرار عمل الصناديق الخيرية الحاجة إلى دعمها من قبل جميع الجهات الأهلية والرسمية" كما يقول. على انه ينوه إلى "ضرورة مواصلة هذه الدراسة الأولية واستكمالها وتحديث معلوماتها الناقصة، لكي تعكس الواقع الحالي بما ينبيء عن دورها الرائد في الوضع الراهن، من حيث دعمها للطبقات الأكثر فقرا في المجتمع". وهو أمر يتطلب تعاون الصناديق الخيرية بمده بالاحصاءات والمعلومات الدقيقة، وخصوصا أنها بدأت تعاني من آثار الحرب الاميركية على الارهاب، عبر الاجراءات الرسمية الأخيرة. العمل الخيري اليوم مستهدف، والقائمون عليه من النوع المسالم جدا، والمتضررون من هذه الاجراءات والتوصيات و"التهديدات" هم آلاف المواطنين الفقراء، وإذا كنا كتبنا وسنكتب عن هذا الموضوع فلأبعاده المأسوية الكبيرة التي لا يدركها أصحاب القرار من وراء مكاتبهم. لكن تبقى عبارة مشهورة أسهمت في تقدم المجتمعات الغربية في مطلع نهضتها الصناعية، نرسلها نصيحة لمن يعنيهم الامر: "دعهم يمروا... دعهم يعملوا"... و"كفاية" عراقيل ومثبطات وحربا على العمل الخيري الذي يصب في مصلحة الفقراء

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1139 - الثلثاء 18 أكتوبر 2005م الموافق 15 رمضان 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً