بينما لا يوجد فرق بين رب العمل، أو الرئيس، أو صاحب الشركة، هناك فرق بين هذه التصانيف ومصطلح "الريادة". فمن يكون مسئول قسم لا بالضرورة يكون قائدا أو رائدا entrepreneur . الفرق بين ألقاب مكتبية وفكرة الريادة شاسع، فهناك طرق كثيرة للوصول إلى مراكز "القوة"، ولكن كسب الريادة يأتي عن طرق مختلفة جذريا. فبينما حب الأقارب أو قوة المعارف قد تؤدي إلى منصب مرموق، الا ان تلك ليس بامكانها زرع الأخلاقيات وطرق التعامل التي تخلق الرائد المقتدر. فالريادة ليست مكتبا شاسعا،او سيارة فارهة، أو حتى شهادة عليا. الريادة هي ما يمكن وصفه بالقدرة والرغبة على الاتصال بالمرؤوسين، والقابلية للتفاعل المنتج مع الذين ينفذون متطلبات العمل، وتحقيق النتائج عبر اسرع الطرق وأقل الكلف وأفضل انواع الجودة. وهذا لا ينطبق فقط على الرؤساء في الشركات، بل على أي وضع يوجد فيه فريق يسعى إلى هدف. فالمؤسسات الخيرية تسعى إلى جمع التبرعات، والمؤسسات المالية تسعى إلى زيادة العوائد إلى المساهمين. في كلا الحالتين تعين المؤسسة مسئولين مكلفين بالوصول إلى نتيجة ايجابية. وبينما يرى المسئول المتغطرس، او المسئولة المتغطرسة نفسها الكلمة الاخيرة في أخذ القرار، يري الرائد وترى الرائدة الفعالة نفسها كميسرة للنقاش والأخذ والعطاء الصريح. فالرائدة تقوم بتعزيز العلاقة بين المرؤوسين و نجاح الشركة أو المؤسسة، وذلك ناتج عن عدم خوفها من النقد أو الشفافية. ترى الرائدة ضرورية الاتصال بطاقم عملها لأن في ذلك زرع لروابط المعرفة، والثقة، والاحترام المكتسب. ومن خلال هذا النهج يتجاوز فريق العمل المحن والتحديات بثقة وقوة العزيمة. أما المسئول المنعزل، او المسئولة المنعزلة عن طاقم العمل، والتي تكمن في رفاهية مكتب فخم، فهي تكون بنسبة طيف لا يثبت وجوده الا عن طريق طرف ثالث مثل السكرتير او السكرتيرة. تقوم المسئولة غير الرائدة بالتسلط وأخذ قرارات من دون نقاش مستمر مع فريق العمل التي ربما لا تكون مناسبة للمؤسسة. واذا استشرنا علماء النفس، نرى أن في معظم الأحيان هذا التصرف ناتج عن عدم الثقة ما يؤدي إلى الشعور بالتهديد من قبل المرؤوسين. وبهذا تكمن علاقة شبه عدوانية من قبل المسئولة غير الرائدة وعدم الطمأنينة من قبل الموظفين. ولكن السؤال المهم هو كيف يمكن أن يكون الشخص رائدا فعالا؟ يقال ان البعض موهوب، و هذا صحيح إلى حد ما، ولكن لدينا التدريب على القيادة الفعالة المتوفر بكثرة هذه الايام. ولكن الجزء الاخير من الجواب، وربما الأهم، يوجد في مصارحة الشخص نفسه عن مدى حبه لعمله. والصراحة هو أن هناك الكثير من المسئولين الذين يتمسكون بمراكزهم على رغم عدم حبهم لعملهم، ولهذا أسباب عدة، منها ظروف الحياة، الاحساس بالالتزام مع توقعات المجتمع وضرورة كسب الرزق، وأيضا الضغوط الادارية "الناتج عن عدم اكتفاء الادارة العليا". فلدينا من تعود على مسار عمله المكتبي حتى لو أنه لا يناسبه، ولدينا من اضطر إلى مواصلة أعمال العائلة في مجال لا يعشقه. ولكن ماذا يحل بهؤلاء؟ فلمن تمكن منهم، والمحظوظ بعض الشيء يمكن أن يتعلم بأن يحب عمله ما يؤدي إلى زيادة الثقة بالنفس وحب المبادرة مشروعات ناجحة والريادة الفعالة. ولكن هناك من يكتفي بسعيه لان يكونا مديرا، او رئيسا لهذاالقسم او ذاك، ويحاول تغطية مأساته المهنية باكتساب الألقاب الرنانة، ويمتنع عن اخذ المبادرة للاتصال مع نفسه ومع فريق عمله لتعزيز الثقة... هؤلاء لايكمنهم ان يكونوا رياديين لان صدرهم يضيق بكل شيء، وغرورهم يعميهم عن الوصول الى ممستوي الريادة الفاعلة. الريادة تطلب المبادرة المباشرة مع فرق العمل والقدرة على محاكاة أصغر موظف إلى كبير الرؤساء. فلا فائدة من "رواد" نخاف منهم، أو حتى رواد نحبهم. ما نريد هم رواد نحترمهم، نحترمهم لأنهم فتحوا قلوبهم إلى منفذي العمل، وتجرؤا على أن يحبوا عملهم قبل أن يحبوا مكاتبهم ومناصبهم. فهؤلاء هم الرواد الحقيقيون، الذين يزرعون الثقة في موظفيهم، والقادرون على الإرشاد بدلا من التسلط. إن الرائد هو من يحث أعضاء فريق العمل على السعي إلى النجاح، عاملا في الوقت ذاته على تأهيل كوادر قيادية للمستقبل
العدد 1137 - الأحد 16 أكتوبر 2005م الموافق 13 رمضان 1426هـ