أعلن في طهران الأسبوع الماضي أن البرلمان الإيراني أقر قانونا منع بموجبه الشركات والمؤسسات ذات الهيكلية الهرمية اللامتناهية من العمل في الأراضي الإيرانية، بضم بند وملحق إلى المادة "1" من قانون عقوبات المخلين في النظام الاقتصادي، وعلى أساس ذلك فإن تأسيس أو قبول ممثلية أو العضوية والتسجيل في مركز أو مؤسسة أو مجموعة أو قائمة أسماء مع تقديم وعود اكتساب إيرادات ناتجة عن زيادة الأعضاء على شكل شبكة سواء عبر عرض السلع أو الخدمات أو الإجبار على شراء السلع أو تسلم مبلغ حق العضوية أو من خلال أساليب مماثلة أخرى بواسطة اجتذاب الزبائن كعناصر للتسويق أو أي عنوان آخر بوعود تسلم سلع أو منح نسبة معينة من الأسعار للأعضاء، يعتبر إخلالا في النظام الاقتصادي الإيراني. الواضح أن إقرار ذلك القانون من قبل المجلس النيابي يأتي في سياق برامج المحافظين الصاعدة والمتماثلة المواقع بعد سيطرتهم على السلطتين التشريعية "فبراير/ شباط 2004" والتنفيذية "أغسطس/ آب 2005" لتغيير الكثير من الأطر الاقتصادية التي طبقتها حكومة الرئيس خاتمي على مدى ثمانية أعوام. كما أن وعود الرئيس أحمدي نجاد الانتخابية بشرت بهكذا خطوات، وبالذات في مجال الطاقة والبورصة، وهو ما ورد في المادة الثانية من اللائحة المقرة والهادفة إلى تنظيم وتطوير سوق الأوراق المالية التي سيوكل أمر مراقبتها إلى مجلس أعلى للبورصة يضم وزير الاقتصاد والمالية ووزير التجارة ورئيس البنك المركزي ورئيس غرفة التجارة والصناعة والمناجم الإيرانية ورئيس غرفة التعاون ورئيس مؤسسة البورصة والأوراق المالية والمدعي العام وممثلا عن المراكز المالية والمعاملات والأسواق والمستشارين والناشرين والمستثمرين والمجموعات المماثلة وأربعة من الخبراء الماليين من القطاع الخاص، وذلك لصوغ السياسات العامة لهذه السوق. وتشير التقديرات إلى أن الحكومة الحالية إذا ما طبقت هذه السياسة فيما يتعلق بالتسهيلات المصرفية فإنها ستساهم في خلق ثلاثة ملايين فرصة عمل سنويا، الأمر الذي يعني أن المحافظين سيستطيعون استيعاب أكثر من مليون إيراني يدخلون سوق العمل سنويا وبالتالي مواجهة مشكلة البطالة باحتياطي جيد من فرص العمل. أحمدي نجاد القادم بأصوات أكثر من سبعة عشر مليون ناخب إيراني يطمح بقوة لتجسير الهوة ما بين طوباوية الشعار الذي نادى به وبين تكريسه كحقيقة واقعة لإبعاد أي يوتوبيا مفاجئة قد تصاحبه، إلا أن الأكيد أن المشكلات الاقتصادية التي ورثتها الحكومة الخاتمية السابعة والثامنة كبيرة جدا من قبيل التحرير الاقتصادي والخصخصة وتقليص الجهاز الإداري للدولة وحل الشركات الحكومية وعدم الاهتمام بإحلال رأس المال الوطني مكان الاستثمارات الحكومية وإهمال نظام الضمان الاجتماعي والتزايد المضطرد في حجم الواردات ونمو رأس مالية السمسرة. المحافظون يمتلكون من وسائل القوة المادية ما يجعلهم الأقدر على تنفيذ برامج اقتصادية أكثر نشاطا، وبالتالي استحصال المزيد من المشروعية والقاعدة الشعبية، كعلاقة طردية ما بين ازدياد الضغوط الاقتصادية على المواطن الإيراني من جهة والخدمات والتسهيلات التي تقدمها مؤسساتهم غير الرسمية في مختلف محافظات البلاد الثلاثين، فهم يستحوذون على أكثر من 75 في المئة من التجارة الداخلية ونحو نصف الواردات، ولهم دور مهم في عملية الإقراض، وبتجارة تمتد إلى أكثر من 200 هكتار وسط طهران الذي يضم 30000 ألف متجر تتوزع على 33 نشاطا تجاريا مختلفا، وبالتالي فهم أكثر حظوظا من الإصلاحيين الذين دخلوا في سجال وحرب خفية مع تلك المؤسسات المالية. ما يدفع المراقبين إلى التعويل على تلك السياسات الجديدة هو عزم الحكومة المتشددة على مكافحة الفساد الاقتصادي في الأجهزة التنفيذية والذي بدأ في التفاقم بعد سيطرة الإصلاحيين على مقاليد السلطتين التشريعية والإجرائية. وفي خط مواز لذلك فقد بدأت إيران بالاهتمام أكثر برعاياها الذين يعيشون في الخارج والذين لديهم أنشطة تجارية واستثمارية نشطة، فخلال وجوده في نيويورك لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة وجه أحمدي نجاد الدعوة إلى الإيرانيين المقيمين في الولايات المتحدة الأميركية وفي أوروبا للمساهمة في عملية الاستثمار في إيران. كما أن وزارة الخارجية الإيرانية أعطت تعميما للسفارات الإيرانية في الخارج لتقديم عروض مغرية للتجار ورجال الأعمال الإيرانيين للعودة إلى إيران للقيام بأنشطة تجارية واستثمارية هناك، وهو ما يؤكده لقاء السفير الإيراني في طوكيو محسن طلائي برجال الأعمال الإيرانيين المقيمين في اليابان، مطلعا إياهم على برامج وسياسة الحكومة الجديدة فيما يخص إقرار التنمية والعدالة وتكثيف الارتباط مع الإيرانيين المقيمين في الخارج. وللعلم فإن الإيرانيين المنتشرين في أوروبا والولايات المتحدة يملكون من الاستثمارات ما يوازي الـ 200 مليار دولار، بلغت استثماراتهم في تركيا وحدها نحو 13 مليار دولار. أضف إلى ذلك فإن الجمهورية الإسلامية تعاني من مشكلة الاعتماد على النفط الذي تصل نسبته إلى 70 في المئة، وبالتالي فهي تبحث عن مصادر جديدة للدخل تقيها تقلبات أسعار النفط المفاجئة كالذي حصل في العام 1999 عندما وصل سعر البرميل إلى 6 دولارات فقط. وعلى رغم أنها مضت في هذه السياسة بقوة منذ فترة ليست بالقليلة، فإنما تحتاج إلى تطوير وجدية أكثر، الأمر الذي يفرض عليها تحسين السياسات الإدارية والتشريعات الاقتصادية في الداخل، فإيران مثلا تمتلك تجارة السجاد اليدوي عالي الثمن منذ 2500 عام، وهو يعتبر المصدر الثاني لها من بعد الصادرات النفطية، وعلى رغم أن منتجات السجاد "التجاري" الوارد من تركيا والصين والهند قد بدأت تفرض نفسها بأسعار زهيدة، فإن نسبة السجاد "اليدوي" مازالت تشكل 38 في المئة عالميا وهي نسبة جيدة. كما أن إيران بدأت في تصدير السلاح والمعدات الحربية إلى أكثر من 38 دولة، والبعض يقول إلى خمسين دولة، وارتفع إنتاجها من البتروكيماويات إلى 30 مليون طن سنويا، إلا أن كل ذلك لم يقلل من اعتمادها على النفط. المهمات الملقاة على حكومة أحمدي نجاد كبيرة، وعليه أن يبدأ إصلاحات جذرية فيما يخص الأنظمة التجارية بجدية وبمهارة وأن يقضي على الأرصفة غير التجارية ويضع حلا للسماسرة النشطين في تهريب البضائع، ويبدأ في سياسة تكيفات هيكلية لتغيير خريطة الريعيين ويقضي على تبييض الأموال ويعدل من النظام الضريبي، لتبيئة مناخات الدخول في منظمة التجارة العالمية، ولكسب أكبر عدد ممكن من الصفقات التجارية في شرق آسيا وغرب أوروبا. * كاتب بحريني
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 1137 - الأحد 16 أكتوبر 2005م الموافق 13 رمضان 1426هـ