العدد 1136 - السبت 15 أكتوبر 2005م الموافق 12 رمضان 1426هـ

60 عاما على تأسيس المنظمة الدولية للأغذية

في مناسبة يوم الأغذية العالمي الموافق 16/ 10/ 2005

علي صالح الصالح comments [at] alwasatnews.com

يعتبر الإنتاج الزراعي بشقيه النباتي والحيواني أحد الدعائم المهمة للاقتصاد العالمي، كما يشكل تبادل السلع الغذائية والزراعية طبيعة وشكل العلاقات بين الدول، إذ تتراوح هذه العلاقات بين المنفعة المتبادلة وأساليب الضغط التي تمارس في كثير من الأحيان خصوصا ضد دول العالم الثالث والدول الفقيرة، وفي هذا دلالة كبيرة على مدى قوة وتأثير الإنتاج الزراعي على سيادة الأمم واستقلاليتها. ونظرا إلى الأهمية الكبرى التي تمثلها الزراعة في ضمير ووجدان وحياة كل شعوب وحكومات العالم، فإن مملكة البحرين ممثلة في وزارة شئون البلديات والزراعة تشارك - وفي كل عام - دول العالم بالاحتفال بيوم الأغذية العالمي الذي يوافق اليوم "16 أكتوبر/ تشرين الأول"، وهو اليوم الذي أنشئت فيه المنظمة الدولية للأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة منذ 60 عاما. واحتفال هذا العام الذي يحمل شعار "الزراعة وحوار الثقافات" يدل على أن التطور الزراعي على مدى آلاف السنين إنما كان نتيجة للتبادل والتفاعل الإيجابي بين الثقافات والحضارات التي انصهرت في بوتقة واحدة لتصل في العصر الذي نعيشه إلى مرحلة متقدمة استفادت من كل العلوم والخبرات المتراكمة، إذ نرى كل يوم اكتشافا جديدا يدفع بحركة التطور الزراعي نحو آفاق رحبة تساعد على زيادة الإنتاج أو تحسينه، أو تسهم في حمايته، مما قد يصيبه من آفات ومسببات مرضية. ولقد مرت الزراعة بمراحل عدة بدءا من مراحل الزراعة البدائية وأدواتها اليدوية، إلى ما نشاهده اليوم من التطور الهائل في المكنة الزراعية، وعدم الاعتماد على الأعداد الكبيرة من العمالة الزراعية التي أصبح توفيرها أحد المشكلات التي تواجه الزراعة في دول العالم الثالث، كما شمل التطور استنباط أصناف جديدة من مختلف المحاصيل تتميز بقدرات إنتاجية عالية، وبمقاومتها للكثير من المسببات المرضية. وأحدثت حركة انتقال المحاصيل والسلالات الحيوانية بين الثقافات المختلفة على مدى قرون متتالية ثورة في النظم الغذائية، ما أدى إلى زيادة الإنتاج بكميات كبيرة ساعدت على التقليل من الفجوة بين الإنتاج وكميات الاستهلاك المتزايدة باستمرار نتيجة أعداد السكان التي تتزايد عاما بعد عام، فقد أمدت إفريقيا وأوروبا الدول الأميركية بنباتاتها التي شملت البن والكروم والقمح، كما أتاح دخول الإبل من الجزيرة العربية إلى إفريقيا تسهيل عيش السكان وتنقلهم في البيئات الصحراوية القاسية. غير أن حوار الثقافات ينطوي على أكثر من مجرد نقل التقنيات والبذور والسلالات، فالكثير من الثقافات - وخصوصا تلك التي تمثل الزراعة فيها النشاط الرئيسي للسكان - تتميز بمعتقدات دينية عميقة وقيم وطقوس تتعلق بالأغذية والبيئة، وهناك الكثير من الدروس التي يمكن أن تستفيد منها الثقافات الأخرى التي تجاهد في سبيل توفير الغذاء للأعداد المتزايدة من السكان، مع الحفاظ في الوقت ذاته على قاعدة الموارد التي ستعتمد عليها الأجيال القادمة في غذائها. وأتاحت المؤتمرات الكثيرة التي تعقد في إطار المنظمات العالمية والإقليمية في كل عام الفرصة لتلاقي الثقافات والخبرات وتبادلها، بهدف نقل أحدث التقانات بين الدول، والتي تشمل تحسين السلالات الحيوانية وأصناف المحاصيل وتطوير أساليب الزراعة. وبالنسبة إلينا فقد شهدت البحرين هذا الحوار الثقافي، وكانت مثالا واضحا لعملية تلاقي الثقافات من مختلف أنحاء العالم، بما كان لها من علاقات متشعبة منذ أيام دلمون، إذ كانت السفن تأتي من الشرق لتفرغ ما تحمله من بضائع، ثم تقفل عائدة من حيث أتت، بعد أن تتزود بالماء العذب، وتحمل ما أنتجته أرض دلمون الخصبة من مختلف المحاصيل الزراعية وخصوصا تلك التمور ذات الأصناف الجيدة، وأتاح ذلك للبحرين منذ تلك الحقبة التي تبعد عنا آلاف السنين، أن تتبادل السلع والبذور والنباتات مع مختلف أصقاع الأرض، لتشهد باستمرار تطورا في أساليب الزراعة المستخدمة، وفي طبيعة النباتات النامية على أرضها، لتتوطن بعد ذلك وتصبح جزءا لا يتجزأ من الثقافة الزراعية لتلك البلاد منذ بواكير الحضارات الأولى. وكان للمزارعين في البحرين - كما هو الحال في الكثير من بلدان العالم الثالث - دور مهم في الحفاظ على التنوع البيولوجي المحصولي والحيواني الذي يعتمد عليه الأمن الغذائي في كل مكان، ما أسفر في النهاية عن إبرام المعاهدة الدولية بشأن الموارد الوراثية النباتية والاعتراف بحقوق المزارعين. وقامت الكثير من منظمات المجتمع المدني مثل التحالف الدولي ضد الجوع، بتقديم الكثير من المبادرات الدولية، التي تعمل على الترويج لحوار الثقافات، للمساعدة على تحقيق هذه الأهداف، ويمثل يوم الأغذية العالمي الفرصة لمواصلة الحوار وتعزيز التضامن على المستويات المحلية والإقليمية والدولية. آملين في هذه الذكرى أن يتم إحراز تقدم ملموس نحو تحقيق الأمن الغذائي للجميع، عن طريق الإبداع الثقافي البشري، والرؤية الصائبة، والشراكات، والتقدم العلمي المذهل في المجالات المختلفة، والدعم الذي تقدمه منظمة الأغذية والزراعة والمنظمات الأخرى ذات العلاقة، وأن نرى شبح الجوع وقد تقلص من عالمنا. * وزير شئون البلديات والزراعة

مادة مفقودة

العدد 1136 - السبت 15 أكتوبر 2005م الموافق 12 رمضان 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً