العدد 1136 - السبت 15 أكتوبر 2005م الموافق 12 رمضان 1426هـ

المواطن وليمة للعجز الاكتواري

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

تشرف المواطن بالعلم والخبر بقرار مجلس إدارة هيئة صندوق التقاعد، إجراء بعض التعديلات على قانونها المدني والعسكري ورفع اشتراكات الخاضعين لها من موظفي القطاع الحكومي من 6 في المئة إلى 7 في المئة، فضلا عن نية الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية هي الأخرى برفع اشتراكات موظفي القطاع الخاص الخاضعين لها من 5 في المئة على 6 في المئة. طرحوا على المواطن أهم ثلاثة مبررات أساسية، الأول: التحسب لحدوث عجز اكتوراي "إفلاس محاسبي"، الثاني: المحافظة على المركز المالي، والثالث: لتفادي أية مشكلة عند دمج الهيئتين وتوحيد نظام التقاعد في القطاعين العام والخاص. وعلى رغم أن المواطنين، لم يكن لهم دخل لا من بعيد ولا قريب بمسببات ذلك العجز المحاسبي الذي يتحدثون عنه، سوى أنهم "بقرة حلوب" تدفع الاشتراكات وفي الوقت المحدد من كل شهر، ومن دون أن يستشاروا أو يؤخذ رأيهم. أقول: على رغم ذلك فإن الخبر الذي تشرفوا بعلمه، لم ينزل على قلوبهم ولا عقولهم نزول الصاعقة، والدلالة، لا مظاهرات ولا احتجاجات ولا عرائض ولا اعتصامات، فالكل هذه الأيام مرهق بالصيام ومشغول بالأكل والطحن بعد مدفع الإفطار. أيضا، الخبر ليس مفاجأة مفرحة، ولم يأت من فراغ، وهو وليد أزمة تفجرت منذ العام الماضي في البرلمان وكان أساسها الفساد والاختلالات التي واكبت مسيرة صندوقي التقاعد والتأمينات والتي على ما يبدو تم لفلفتها والدوران بها إلى أن وصلنا إلى ما وصلنا إليه. الأرجح وبحسب توقعاتنا، أن خبر الزيادة سيكون بمثابة الطلقة المدوية التي سيبدأ على إثرها قرع الأجراس، ما لم تحدث طبعا معجزة وعملية إنقاذ جادة. هل نبالغ فيما نقول؟ أبدا. والدلالات عدة منها: أولا: هناك هدر تم عبر قنوات متعددة ومتنفذة، وهناك إشكاليات متنوعة منها على سبيل المثال لا الحصر، عدم وجود سقف للرواتب التقاعدية، لاسيما وأن فكرة نظام التأمين التقاعدي هي في الأصل نظام للتكافل الاجتماعي والتضامني لأفراد المجتمع، أي أنه ليس نظاما ربحيا لشركة تأمين على الحياة، ويستند على مبدأ أن يمول دخول العاملين الجدد لسوق العمل، والخارجين عنه من جهة أخرى. بمعنى أن منح نظام التأمين التقاعدي مرتبات تقاعدية مبالغا فيها يضع عبئا ثقيلا على موازنة التقاعد ويوصلها إلى ما آل إليه واقع الصندوقين. الهدر جاء واضحا حسبما عبر عنه لصحيفة "الوسط" النائب البرلماني وعضو لجنة التحقيق واللجنة المالية والاقتصادية جاسم عبدالعال، حينما أشار إلى "غياب الهيكل التنظيمي والدليل المالي والإداري، والقيام بشراء الأراضي التي تعرضت للخسارة، فضلا عن صرف مبالغ كبيرة كتبرعات خيرية من أموال المشتركين، إضافة إلى نقص الاشتراكات التي حدثت من 21 في المئة إلى 15 في المئة ومن ثم رفعه إلى 18 في المئة فقط في صندوق التقاعد، ما سبب إرباكا كبيرا، وهناك التسيب الإداري وغياب الاستراتيجيات التي أفقدت المشروعات عوائدها وضاعت فرص الاستثمار في ظل غياب تمثيل للمتقاعدين والمشتركين في الهيئتين للمشاركة في صنع القرار والرقابة". وعليه، لا يجوز مطلقا، فرض أية زيادة في نسبة اشتراكات الخاضعين للتأمينات لكلتا الهيئتين، ما لم تتم معالجة الأزمة التي تفجرت وعلقت في البرلمان منذ عام في شأن الصندوقين، فلابد أن يتم سد الثغرات في النظام التأميني المعمول به حاليا، وبمزيد من الشفافية، والاستثمار الحقيقي. ثانيا: بالنسبة إلى أية سياسة اقتصادية، تعتبر أنظمة التقاعد أنظمة تضامن اجتماعي تستند على فرضية أخرى تفيد بأن مرتبات وأجور وإنتاجية العاملين الجدد الداخلين إلى سوق العمل، أعلى نسبيا من مرتبات وأجور وإنتاجية العاملين القدامى، وبالتالي باستطاعة النظام التأميني التقاعدي في هذه الحال معادلة وموازنة النظام نفسه بنفسه، وسد الفروقات والعجوزات المتوقعة الحدوث، لذلك فإن نجاح أو فشل أي نظام للتأمين التقاعدي، سيستند على الحاجة إلى اعتماد سياسة اقتصادية تضمن النمو الاقتصادي الحقيقي الذي يحقق الفرضية ويرفع من أجور وإنتاجية العمالة الجديدة وبمعدلات مناسبة، كما يخفض من نسب البطالة، ويدعم استقرار الأسعار في السوق، وبالتالي يرفع تدريجيا الأجور والمرتبات. فوائد هذه السياسة ستنعكس وتسهم في رفع المستوى المعيشي للمواطن، وتحافظ في الوقت ذاته على سلامة النظام الاقتصادي. ماذا بوسعهم أيضا، أن يفعلوا لحل هذه المعضلة؟ الكثير. الحل والمعالجة لهذا العجز الاكتواري الذي يحذرون المواطن منه "وأيادي المواطن طبعا بريئة وغير مسئولة عنه"، ليس بالضرورة أن يتبع أساليب الحلول الاكتوارية "المحاسبية" الآخذة بسياسة رفع نسبة الاشتراكات قسرا، ومن دون أخذ رأي المواطنين، الحل بحسب رأينا المتواضع، سيكون باتباع حلول اقتصادية وإنسانية واعتماد منهج الشفافية لجميع القضايا ذات الصلة بحجم الاستثمارات وتوظيف الأموال والتبرعات والعوائد والمصروفات وكيفية إدارتها وقنواتها. والأهم من هذا وذاك، رقابة صارمة على جميع العمليات التي تمس نظام التأمين الاجتماعي. لاشك أن هذا النهج سيكون أفضل بكثير من الحل الاكتواري "السحري" الذي يمنون المواطن به. أما بالنسبة إلى نتائج تلك الزيادة التي سيفرضونها، وببساطة شديدة، فإن حجم المرتبات والأجور سيقل، وستتآكل أية زيادة قد تطرأ عليها، وسيتبعه انخفاض للمستوى المعيشي للمواطنين يؤدي إلى انخفاض حجم قدرتهم الشرائية والاستهلاكية. وفي الوقت الذي يؤكد بعض الاقتصاديين على أهمية المردود الإيجابي الذي سيجنيه المواطن من الزيادة على المدى البعيد، إلا أن ذلك سيرتهن بالقوانين والتشريعات المعمول بها في فترة استحقاق المعاش التقاعدي. على المدى القصير، كلفة الخسارة لاريب سيتحملها المواطن وستنعكس مباشرة على حجم دخله الشهر. ثمة أمر أخير ذو صلة بزيادة نسبة الاشتراكات، ألا وهو الكلفة السياسية، خصوصا في ظل سعي الحكومة الدؤوب لتمرير تعديل قانون التأمين التقاعدي "الزيادة"، أو حتى سن قوانين وتشريعات مقيدة أخرى أثناء الدورة التشريعية الحالية للمجلس الوطني، وبسرعة البرق أو حتى "بالتلفونات"، لاسيما ولدينا نخبة من بعض نواب البرلمان الذين يمنون النفس بتعيينات قادمة في مجلس الشورى، أو في مناصب وزارية وحكومية عليا، في حال ترشحهم وعدم فوزهم في الدورة التشريعية القادمة. وهناك احتمال هو أن يتحمل المواطن وزر أدائهم البرلماني بشأن أزمة التأمينات، طالما استمرت الصفقات وراء الكواليس وتحت الطاولات وبالتلفونات، بيد أن على الحكومة من جهة أخرى إدراك أمر مهم، ألا وهو أن بضاعتها "بزيادة الاشتراكات" صعبة التسويق على المواطن في هذه الأيام، بعبارة فاقعة. تجربة المواطن مع البرلمان الحالي وفي قضية التأمينات تحديدا، تجربة مريرة ومليئة بالإحباطات، وهناك تشكيك بسبب الفساد الذي استشرى وما أنتجه من عدم ثقة في سلامة أداء الهيئتين، ولن ينفع مجددا إغراق المواطن بعلاجات موضعية مؤقتة لا تغني ولا تسمن من جوع، بل ستذهب به إلى ستين ألف داهية! * كاتبة بحرينية

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 1136 - السبت 15 أكتوبر 2005م الموافق 12 رمضان 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً