العدد 1136 - السبت 15 أكتوبر 2005م الموافق 12 رمضان 1426هـ

أميركا ومشهد الانتخابات الفلسطيني

السيد محمد حسين فضل الله comments [at] alwasatnews.com

ماذا في المشهد الفلسطيني؟ وزير الحرب الاسرائيلي يعلن أنه لن يتم تسليم الفلسطينيين السيطرة الأمنية على مزيد من مدن الضفة، شارون يعلنها صراحة أن مشاركة حماس في الانتخابات التشريعية "ستكون مستحيلة" بفعل حملة الاعتقالات المنظمة المتتابعة التي يقوم بها ضد كوادر الحركة، من دون أي اعتراض من المسئول الأميركي الذي يتابع اعتراضه على ما يزعمه من تدخل سوري في العراق ولبنان وفلسطين ضد ما يسميه السلام والديمقراطية، ولكنه لا يتحدث عن تدخل شارون في منع الفلسطينيين من ممارسة ديمقراطيتهم، باعتبار أن مجاهدي حماس عنده ينتمون لمنظمة إرهابية ولا يريد لهم أن يدخلوا في النظام المدني، وفي الانفتاح على الخطوط السياسية في المجتمع الفلسطيني، كما يبقى مع حليفه الأميركي مرددا المقولة التي تضع شرطها للمفاوضات بإسقاط البنية التحتية للانتفاضة التي يطالب السلطة القيام بها، لإيصال الموقف الفلسطيني الى حرب اهلية تسقط الهيكل على رؤوس الجميع. أما اللجنة الرباعية الدولية فهي لا تحرك ساكنا، لأنها لا تملك من الأمر شيئا بفعل السيطرة المطلقة الإسرائيلية - الأميركية على حركتها السلحفاتية ومواعيدها العرقوبية، باعتبارها تمثل الخطة التي تستفيد من عنصر الزمن الذي يمنح العدو أكثر من فرصة لتثبيت أوضاعه الاستيطانية والاحتلالية. والسؤال للمجتمع الدولي الذي تتحدث باسمه أميركا: لماذا يتحمس لدعوة العراقيين للاستفتاء على الدستور ليحق لهم الإدلاء بأصواتهم، ولا يتحمس لإفساح المجال للشعب الفلسطيني ليمارس دوره في تقرير مصيره في الانتخابات القادمة بكل أطيافه، فيمنعه عن التصويت للفصائل المجاهدة التي تؤمن بالتحرير واستقلال البلد والإنسان؟ إنها الديمقراطية الأميركية التي تنسجم مع مصالحها في العراق، وتحرق الواقع السياسي في فلسطين، وتمنع الشعب من اختيار ممثليه الأحرار تحت عنوان مكافحة الإرهاب. إنهم يريدون أن يقتل الفلسطينيون بعضهم بعضا لترتاح "إسرائيل". إننا نقول للفلسطينيين: إن المرحلة تنذر بخطر كبير في مصادرة الأهداف الوطنية التي تلتزمونها، لأن التحالف الأميركي - الإسرائيلي لايزال يضغط على الواقع السياسي عندكم، وستواجهون الضغوط الجديدة عليكم بالشروط التعجيزية التي تعتبر أن المشكلة أمنية وترتبط بخياراتكم في تحقيق الأمن الإسرائيلي، وليست سياسية، ولذلك فإن "إسرائيل" لن تسمح بأي مفاوضات سياسية حول حقوقكم الوطنية ما لم تدمروا أوضاعكم الأمنية في الفتنة الداخلية، وهو ما لن تحصلوا منه على وطن حر مستقل. أما العراق، فإنه ينتظر الاستفتاء على الدستور الذي يثير الكثير من الجدل على المستوى السياسي الذي يأخذ أكثر من بعد طائفي مذهبي، في رعاية السفير الأميركي الذي يتدخل بشكل سافر ضاغط في تغيير مادة هنا أو مادة هناك، وفي تهديدات تفجيرية بالمجازر المتحركة المتنقلة التي تفجر المدنيين في أسواقهم ومساجدهم وشوارعهم بذهنية مذهبية حاقدة لا تعرف الرحمة، وتجد في قتل المسلمين الذين تتهمهم بالارتداد والكفر الهدف الكبير بدلا من مواجهة المحتلين. إننا نتابع مأساة الشعب العراقي المنكوب الذي تركه الجميع في معاناته اليومية من دون أن يمدوا لـه يد العون، حتى أن الوفد العربي للجامعة العربية لم يقدم لـه أطروحة واقعية مدروسة في حل مشكلاته الصعبة ولاسيما مشكلة الاحتلال من جهة والتكفيريين الإلغائيين من جهة أخرى، ومن اللافت أن المواقع الشرعية الفتوائية في البلاد الإسلامية، كما في مصر والسعودية وغيرها، لاتزال صامتة من دون أية مبادرة في إصدار الفتوى ضد الذين يكفرون المسلمين من مذهب معين ويستحلون دماءهم، بل يكتفون بالكلمات الاحتجاجية التي لا تملك الصراحة الشرعية، الأمر الذي قد يمتد الى أكثر من موقع إسلامي ينفتح على هذه الذهنية ويتبنى الخط التكفيري الذي سيسقط الهيكل على رؤوس الجميع. إننا نهيب بعلماء الإسلام في العالم أن يرتفعوا الى مستوى المسئولية لإنقاذ العراق والواقع الإسلامي كله من هذا الاتجاه التكفيري الجاهل الذي لن يقتصر على الموقف من الشيعة بل يمتد الى المسلمين جميعا. إننا لا نطالب بإصدار الفتوى الشرعية لمصلحة مذهب معين بل لمصلحة الإسلام كله، ضد الذين يكفرون المسلمين ويعتبرون القتل هي الطريقة التي يعارضون بها الرأي الآخر لأنهم لا يملكون المعرفة في الفرق بين الإيمان والكفر أو في حدود الله. وإننا نتابع المسئولين الأميركيين من خلال الرئيس الأميركي الذي يعاني من انحسار شعبيته لدى الرأي العام الأميركي، لفشله في إدارة حربه في أفغانستان والعراق وفي فلسطين، ومن خلال الموفدين الأميركيين الذين يعملون على التدخل في شئون المنطقة ولاسيما لبنان باسم المساعدة الغامضة، ويطلقون التصريحات والمواقف التي تهاجم دول الممانعة وتستهدف شعوب المنطقة في الصميم، تحت عنوان رفض التدخل السوري في لبنان والمنطقة، مهددة إياها بالعزلة السياسية، بالإضافة الى مهاجمة إيران في سياستها وفي مشروعها النووي السلمي، في الوقت الذي نرى فيه الرئيس الأميركي وإدارته يتدخلون في كل شئون المنطقة على جميع المستويات من أجل تنفيذ استراتيجيتهم في اجتياح شعوبها اقتصاديا وسياسيا وأمنيا، ويطالبون الدول فيها أن تستجيب للأوامر الموجهة إليها لتنفيذ مخططاتها الاستراتيجية. وأخيرا، إننا نتعاطف مع المنكوبين بالزلازل في الهند والباكستان، وندعو الناس الى مد يد العون إليهم انسجاما مع الرحمة الإسلامية الإنسانية، وندعو الله أن يرحم الضحايا برحمته ويعافي الجرحى والمرضى بعافيته، إنه أرحم الراحمين. * مرجع ديني

إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"

العدد 1136 - السبت 15 أكتوبر 2005م الموافق 12 رمضان 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً