العدد 1135 - الجمعة 14 أكتوبر 2005م الموافق 11 رمضان 1426هـ

متى سيحسم موضوع التجديد؟

علي محمد فخرو comments [at] alwasatnews.com

مفكر بحريني

جمود كل دين وتحجره في عادات اجتماعية، بل ونزوعه نحو الانحطاط، هو نتيجة طبيعية للممانعة في إعادة قراءته عبر العصور لكي يبقى دينا مفعما بحيويته الأولى الأصلية ومستجيبا لحاجات معتنقيه المتجددة المتغيرة. منذ القرن التاسع عشر وديننا الإسلامي الحنيف يواجه محنة محدودية، وأحيانا فشل محاولات تجديد حيويته ووهج روحه وتنقيته، ما أضاف إليه الجهلة والانتهازيون وعبيد الجاه والسلطة من كذب وخرافات ومفاهيم بليدة. لأسباب معقدة ظلت تلك المحاولات في غالبها إما فردية أو متقطعة متباعدة أو حبيسة دوائر ضيقة مقطوعة الصلة بالناس العاديين وبهمومهم الكبرى، يصدق ذلك على جميع الإصلاحيين الكبار من أمثال محمد عبده وجمال الدين الأفغاني والكواكبي ورشيد رضا وغيرهم. أما الحركات الإصلاحية التي تجاوزت تلك المحددات وامتدت جذورها إلى الوسط الشعبي الجماهيري، مثل السنوسية في شمال إفريقيا والمهدية في السودان والوهابية في الجزيرة العربية، فإنها ظلت حبيسة الجغرافيا ولم تستطع الانتشار والتجذر في العالم الإسلامي برمته. كما لم تعن بالاستمرارية في محاولات وتنويع الإصلاح والتجديد فأصبحت حبيسة التاريخ. إن تلك المسيرة المتعثرة انتهت بالحصيلة المتواضعة التي نراها أمامنا اليوم. إننا مازلنا نطرح الأسئلة نفسها، نختلف بشأن الإجابات إلى حدود التضاد، ونمارس الفشل الذريع في حسم أية معضلة نواجهها. على المستوى الفكري لم يحسم بعد ما هو تاريخي وما هو عقيدي في الدين الإسلامي بحيث يتخلص الإنسان المسلم من ثقل التاريخ ويتفرغ لما هو دين. ولم يتفق بعد على الأسس المنطقية والعقيدية التي يحتكم إليها عند قراءة الأحاديث النبوية التي أصاب بعضا منها التزوير والاستغلال السياسي وذلك من أجل إخراج المسلم من ورطة التعامل مع المدسوس والموثق توثيقا ضعيفا والمتعارض مع القرآن والمنطق ومكانة الرسول وشخصيته الإنسانية الفذة. ويكفي أن يستمع الإنسان إلى إذاعات القرآن الكريم في كل الأرض العربية وهي تصر على رواية أحاديث لا يقبلها العقل ولا الذوق ولا الحس الديني السامي حتى يعرف فداحة عدم حل هذا الإشكال. وكذلك لايزال النقاش يدور حول مكانة العقل في الإسلام، ونوعية علاقة الدين الإسلامي بالعلم، والأسس المعرفية لقراءة النص القرآني قراءة جديدة، هذا عدا عشرات الأسئلة النظرية والفكرية الفلسفية التي لا مجال لذكرها. على مستوى التعامل مع متطلبات الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية لمجتمعات العرب والمسلمين نصل إلى حدود المأساة. فكلمة الديمقراطية مقبولة عند البعض ومرفوضة عند البعض الآخر، ومفهوم الديمقراطية مختلف عليه إلى حد كبير، إذ إن بناء إرادة سياسية مجتمعية للانتقال إلى الحياة الديمقراطية في بلداننا يصطدم بهذا التحفظ أو تلك الممانعة التي يبديها هذا الفقيه أو تلك المؤسسة الإسلامية. والعلاقة بين الدين الإسلامي والدولة في جدل دائم ممل، والدور الذي سيلعبه فقهاء الدين في تلك العلاقة مختلف عليه. وينطبق الأمر نفسه على قضايا من مثل مكانة المرأة ودورها في المجتمع وحدود تحركها في الحياة ومن مثل الجهاد وظروف ممارسته، ومن مثل التعامل مع الكثير من الأنشطة المالية التي تحتل قلب الحياة الاقتصادية العالمية، ومن مثل العلاقة بين الإسلام والعروبة والقومية. هل من فاجعة أكبر من أن يبقى هذا الدين العظيم في قمقم الذين يشوهون سماحته ويسره وبساطته وعقلانية أطروحاته والاستعداد الكامن فيه للتجدد ولإعلاء مصالح العباد فوق كل ما عداها؟ هل من مصيبة أقسى من أن تدور أمة حول نفسها، لتعود المرة تلو المرة إلى المربع الأول، وذلك عبر أكثر من قرن ونصف القرن من المحاولات للخروج من الوحل والانطلاق من جديد؟ لا يحتاج الإنسان إلا أن يستمع لخطباء المساجد والمآتم وبرامج إذاعات القرآن الكريم، أو يشاهد البرامج التلفزيونية الدينية ليعرف مدى الجدية في التعامل مع قضايا الإسلام الكبرى بدلا من العيش على هوامش هذا الدين الرائع. * كاتب ووزير

إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"

العدد 1135 - الجمعة 14 أكتوبر 2005م الموافق 11 رمضان 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً