العدد 1134 - الخميس 13 أكتوبر 2005م الموافق 10 رمضان 1426هـ

الفيدرالية - الاتحادية - الحكم المحلي... في مرحلة ما بعد صدام

ابراهيم عباس نتو comments [at] alwasatnews.com

أخذت كلمة "فيدرالية" في العراق منعطفا يغاير قليلا معناها الأصلي التاريخي؛ فبدل أن تعني كلمة "اتحاد بين وحدات سياسية تتنازل عن سيادتها الفردية لسلطة مركزية، ولكنها تحتفظ بسلطات حكومية "محلية" محدودة" "معجم المورد"، إذا بالكلمة تطبق في مفاوضات وضع مسودة الدستور العراقي في اتجاه آخر، كأن تتنازل السلطة المركزية للمنطقة المعينة "مثل كردستان" بالحكم المحلي وحرية الإدارة والتصرف في داخل الإقليم المعين. بل وذهب الأكراد إلى طلب حرية التصرف حتى خارج العراق، مثل فتح مكتب مصالح للأكراد في كل السفارات العراقية في الخارج. بل وقد صرح الزعيم الكردي مسعود برزاني، وهو الذي انتخبه البرلمان الكردستاني في أواسط 2005 رئيسا، قائلا وبكثير من الثقة بالنفس: إن الأكراد تنازلوا وقبلوا بالفيدرالية وبالبقاء تحت مظلة الكيان العراقي، وإلا فقد كان من حق الأكراد الاستقلال بالكامل! لقد تم إقرار وتثبيت النظام الفيدرالي/ الاتحادي للتعامل بين المناطق الرئيسية ومركز الدولة في بغداد، فيما بعد عهد صدام حسين. مع أن العرب السنة خصوصا قاوموا مسألة "الفيدرالية" ورأوا في أفقها إمكان تقسيم العراق إلى ولايات، بل إلى دويلات، إلا أنهم لم يتمكنوا من مقاومة القبول بـ "فيدرالية" المنطقة الكردية "كردستان العراق"، إذ صارت أمرا واقعا على كل حال منذ العقد الأخير من القرن الماضي، بل وخلال حكم صدام. "للمعلومية، فإن في العالم الآن ما لا يقل عن 77 دولة تتبنى النظام الفيدرالي، منها مملكة ماليزيا التي تضم 14 ولاية فيدرالية ولو في شكل "سلطنات" زائدا منطقة كوالالـمبور، العاصمة القومية".

مكاسب الأكراد

وكان من المكاسب التي حصل عليها الأكراد: 1- تثبيت مبدأ الحكم الذاتي في مناطقهم، ونظر إلى إرساء عمد الفيدرالية/ الاتحادية تثبيتا لذلك. 2- القبول بفتح "ممثلية" كردية في السفارات العراقية في الخارج. 3- إقرار أولوية "لدستور كردستان" في حال بروز تعارض أو خلاف مع الدستور العراقي. 4- إقرار هيكلية ودور "البيشمركة" كقوة أمنية عسكرية في المنطقة الكردية. 5- إقرار اللغة الكردية كلغة رسمية في البلاد جنبا إلى جنب مع العربية. 6- تقاسم الثروات العامة بنص القانون. 7- كما وكان اختيار جلال طلباني - كردي - رئيسا لعموم العراق... وأتوقع، مما هو موجود فعلا في مؤشرات الأفق، أن استقلالا من نوع ما سيحدث، ولربما حوى بقية الأجزاء التاريخية من "كردستان" الكبرى في خارج العراق، ولو بعد حين، إلا إذا أعطي الأكراد ما يطمئنهم من ناحية، وما يجعلهم يحسون بالخسران العظيم إن هم فعلا أقدموا على الانفصال.

النفط والماء

أما عن التخوف الآخر "من قبل العرب السنة خصوصا" فهو أن قيام منطقة "فيدرالية" في الجنوب والوسط الجنوبي سيأتي مساهما في تفتيت العراق، ومواليا أيضا لإيران. كما نوقشت مسألة تقاسم الثروات العامة: على رغم أن المقصود هنا هو النفط أساسا، وأن المراكز الأساسية لإنتاجه تتمركز في الشمال حول كركوك، وفي الجنوب، حقول الرميلة وما حولها؛ إلا أن في الثروات ربما ما هو أخطر، وهو الماء مثلا. فمصادر نهر دجلة تأتي من جهة المناطق الكردية "كما تأتي مصادر الفرات أصلا من تركيا التي دأبت منذ زمن في "التحكم" في تدفقه إلى الجنوب، باتجاه سورية وبالتالي العراق". فبالنسبة لدجلة، فلقد حدث، من باب التفاوض وربما على أمل التقايض أن ذكرت - ذات مرة - مصدرية "تبعية" المياه للأكراد! وحدث اختلاف بشأن صلاحيات رئيس الوزراء: تجاذب أطراف النقاش هذه المسألة، أخذا في الاعتبار أنه، وعلى النمط البريطاني مثلا، فإن من قوانين اللعبة السياسية أن "الفئة الغالبة" يقوم مرشحها برئاسة "الحكومة"، وقد يكون أصلا أكبر المرشحين وفرة في عدد الأصوات المكتسبة، وقد لا يكون، فيستعاض عن ذلك بسابق خبرته وسمعته في الداخل، "وما يتصل بمستقبل التعامل الدولي" أو أن يكون ذا شخصية لامعة جذابة مؤثرة "يونانيتها: "خاريزما"، ثم بالانجليزية: كاريزما". لكن الخلاف هنا كان وراءه تخوف العرب السنة من سيطرة الغالبية الشيعية على مجلس الوزراء وقراراته. هنا أيضا قام المتفاوضون بالتوصل إلى حل، دعا إلى تكوين "هيئة رئاسية مشتركة" تضم إلى رئيس الوزراء نائبيه، في الدورة الانتخابية الأولى". واحتدم جدل بشأن الرغبة في تأكيد نفاد حزب البعث المنحل، وتحريم عودة أعضائه ومنتسبيه إلى أي منصب تنفذي أو حتى تنفيذي. كان هذا أحد أهم "البطاقات الرابحة" في جعبة أحمد جلبي لدى الأميركان منذ عودته إلى العراق بعد الإطاحة بصدام؛ فلقد أخذ يستعمل عبارات مثل "إزالة آثار البعث"، ووجد لذلك أذنا صاغية لدى الأميركان. فلقد ذكرهم هذا بعبارة شهيرة تغنوا هم بها أثناء حربهم في فيتنام، حين استعملت ضد الشيوعيين المناهضين للعدوان الأميركي الذي دام هناك سنين عددا. أما عن مسودة الدستور، فلقد ارتفعت حدة وشدة الخلاف، وحل الموعد المنشود "الموعد النهائي"، الاثنين 15 أغسطس/ آب ،2005 ولم تتوصل اللجنة إلى حل مرض للجميع. لقد كان ذلك "الاثنين" يوما حافلا بالإثارة والترقب، أضيف فيه إلى القاموس معنى آخر تماما لعبارة "الموعد النهائي"! فظلت العبارة بين عدد من الإعلانات والتصريحات المتناقضة؛ فمرة أعلن "الشيعة" بأنه قد تم التوصل إلى إعداد "مسودة الدستور النهائية" ثم ما لبث أن أنكر الأكراد ذلك، على رغم توافر زخم التوافق الظاهر جليا بينهما؛ وأبدى العرب السنة ذروة امتعاضهم لاستبعادهم الكامل من المفاوضات الأخيرة، ولقلة الالتفات لمقترحاتهم حيال مواد المسودة، بل وأنهم لم يمكنوا من حتى الاطلاع على المسودة النهائية. وقرر البرلمان إرجاء الموعد لمدة أسبوع، إلى الاثنين، 22 من أغسطس، كموعد جديد لتقديم مسودة الدستور إلى البرلمان، ولكن حتى مع ذلك التأجيل لم يتم التوصل إلى اتفاق، بل قام رئيس المجلس حاجم الحسني قبل موعد انتهاء الموعد النهائي بـ 10 دقائق بالإعلان بأنه لاتزال ثمة عدة نقاط اختلاف، وأنه ستتم تسويتها في "مهلة" مدة 3 أيام، يوم الخميس 25 منه. ولكن ذلك لم يكن. يبقى الحديث عن بعض المستجدات الدستورية المعقدة في عراق ما بعد صدام. * كاتب سعودي وعميد سابق بجامعة البترول

العدد 1134 - الخميس 13 أكتوبر 2005م الموافق 10 رمضان 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً