العدد 1134 - الخميس 13 أكتوبر 2005م الموافق 10 رمضان 1426هـ

ماذا بعد الزواج القسري في ألمانيا بين الاتحاد المسيحي والحزب الاشتراكي؟

ابنة القسيس الودودة وصاحبة القلب البارد المستشارة ميركل...

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

وصلت أنجيلا ميركل يوم الاثنين الماضي إلى أكبر إنجاز في حياتها وفي فترة زمنية قصيرة لم تزد عن 16 سنة. هي نفسها اعترفت قبل أسابيع أنها من صنع والديها والوحدة الألمانية. الشعب الألماني نفسه لا يعرف الكثير عن أول امرأة مرشحة لتشغل منصب مستشار الحكومة الاتحادية. يصفها مؤيدوها في الاتحاد المسيحي الديمقراطي الذي تتزعمه منذ العام 2000 بـ "المرأة الودودة"، بينما ينعتها خصومها بصاحبة القلب البارد. في لحظة التربع على المجد كشفت ميركل عمق تأثر حياتها بالماضي. فقد تعلمت كتم مشاعرها وعدم الكشف عما يجول في صدرها وأن يخرج الكلام المناسب أمام الأشخاص المناسبين. انها خبرة ابنة قسيس هاجر في العام 1957 من مدينة هامبورغ إلى مدينة تمبلين في ألمانيا الشرقية السابقة، قبل بناء جدار برلين وكانت أنجيلا في الثالثة من عمرها. تربت لاحقا على نظام الدولة التي كانت محمية من قبل الاتحاد السوفياتي وتتحدث اللغة الروسية حتى اليوم. في لحظة فوزها كانت صحافية بريطانية جالسة وسط مئات الصحافيين فسألت ميركل عن مشاعرها وما يختلج في نفسها فأجابت بعد تردد: "أنا بخير"، ثم أضافت: "أمامنا واجبات ضخمة".

زواج قسري

لم يشعر أحد أن ميركل سعيدة جدا بما تم التوصل إليه من اتفاق على تشكيل حكومة ائتلافية مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي، فهو الزواج القسري الذي لم يتم نتيجة علاقة حب. في هذا الزواج ستكون العصمة بيد الحزب الاشتراكي. إذا قرر شرودر توديع الحلبة السياسية فعلا بعد نهاية مفاوضات الائتلاف التي تبدأ في مطلع الأسبوع المقبل وتستغرق 4 أسابيع فإنه يكون حفظ ماء وجه حزبه على أكمل وجه. وحين تترأس ميركل بعد شهر المجلس الوزاري ستشعر أنها تنازلت كثيرا مقابل الفوز بمنصبها. ثمانية من أعضاء المجلس الوزاري ينتمون للحزب الاشتراكي مقابل 3 وزراء من حزبها، "الاتحاد المسيحي الديمقراطي"، و3 من الحزب الاجتماعي المسيحي البافاري. فهل كان لها أن تتوقع نتيجة أفضل بعد فشلها في تحقيق انتصار واضح على شرودر في الانتخابات العامة المبكرة التي جرت في 18 من سبتمبر/ أيلول الماضي؟ لم تفشل ميركل بالفوز بتأييد واضح من قبل الشعب فحسب، بل لم تحظ بتأييد واسع داخل حزبها. وبعد 4 سنوات ستكون طموحات عدد من الذين يشغلون مناصب رؤساء حكومات وينتمون لحزب ميركل، بحيث يصبحون على استعداد لمنافستها على منصبها. وفي عز تربعها على المجد تسـأل أنجيلا ميركل نفسها: هل أستطيع فعلا قيادة ألمانيا المثقلة بالمشكلات؟ هل بوسعي مواجهة التركة الصعبة لحكومتي هيلموت كول وغيرهارد شرودر؟ على العكس من كول وشرودر، لم تحصل ميركل على تجربة قيادة حكومة على صعيد الولايات. إضافة إلى أنها اختارت التحالف مع حزب ليس من السهل الاتفاق معه على القضايا السياسية وسيستغل رموزه في السلطة كل فرصة لاستعراض نفوذ الحزب الاشتراكي في ظل حكومة تتزعمها ميركل ليغطي الضعف الذي سيلحق به بعد غياب شرودر، إذ يفتقد الحزب لشخصيات قيادية تتمتع بقبول عند جمهور الناخبين. هذا النقص لا يعاني منه الاتحاد المسيحي الديمقراطي، إذ يتربع رئيس حكومة سكسونيا السفلى كريستيان فولف على قائمة السياسيين الأكثر شعبية، وهو الشخصية المرشحة لخلافة ميركل في المستقبل.

العلاقات الألمانية العربية

يذكر أن فولف له توجهات إيجابية، وخصوصا حيال علاقات ألمانيا مع العالم العربي. في الشهر الماضي دعا سفراء عرب لزيارة ولايته "عاصمتها مدينة هانوفر" وقال لهم إن العلاقات بين ألمانيا والعالم العربي ينبغي ألا تكون مقتصرة على التعاون الاقتصادي فحسب، بل ينبغي أن يقوم بين الجانبين حوار سياسي. كما شدد فولف على أهمية الحوار بين الإسلام والمسيحية، منوها بأن ولايته الأولى بين الولايات الـ 16 التي تتألف منها ألمانيا الاتحادية التي وافقت على تدريس التعاليم الإسلامية بواسطة مدرسين مسلمين في مدارسها. وأعرب عن أمله بأن تتبنى الحكومة الاتحادية هذا النموذج ليجري العمل به في سائر الولايات. مع ذلك يبقى العصر عصر أنجيلا ميركل وليس عصر فولف. والمراجع السياسية العربية داخل ألمانيا وخارجها مهتمة بمعرفة الوجه الجديد لهذا البلد. مثل والدها السياسي هيلموت كول حين جاء إلى السلطة في أكتوبر/ تشرين الأول 1982 بعد انهيار حكومة المستشار الأسبق هيلموت شميت، لم يكن العالم يعرف شيئا عن كول الذي تقلد منصب المستشارية 16 سنة متواصلة. وخلال هذه السنوات الـ ،16 حصلت في حياة ميركل تحولات كثيرة، على إثر الثورة السلمية في ألمانيا الشرقية السابقة فاختارت الانضمام للاتحاد المسيحي الديمقراطي، وكان هذا طبيعيا لفتاة تربت في أسرة متدينة. عينها لوثر دو ميزيير "آخر رئيس حكومة منتخبة في الشطر الشرقي" متحدثة باسم حكومته. وبعد فوز كول في 1990 بأول انتخابات تمت في عموم ألمانيا اختارها المستشار المحافظ لمنصب وزيرة المرأة والأسرة، ليقول للشرقيين إنه اختار وزيرة من صفهم. وراح كول يعاملها كفتاته المدللة، وعينها لاحقا وزيرة للبيئة، ولم تبرز ميركل شخصية متميزة. في العام 2000 بدأ نجم كول بالأفول حين تم فضح دوره ودور حزبه في قضية تلاعب بتبرعات وحسابات سرية خارج ألمانيا. واستغلت ميركل ضعف كول ونشرت مقالا في صحيفة "فرانكفورتر ألجماينه"، وكانت حينها تشغل منصب أمين عام الحزب، طلبت علنا من كول أن يستقيل. وبعد انتخاب فولفغانغ شويبلي رئيسا خلفا لكول في رئاسة الحزب لم يستمر طويلا في منصبه، إذ سرعان ما كشف عن دوره في فضيحة التبرعات غير المشروعة. وحانت ساعة ميركل التي اختيرت رئيسا للحزب. وفي سبتمبر 2002 تنازلت لشريكها السياسي إدموند شتويبر من أجل منافسة شرودر على المستشارية، وفاز شرودر لأنه رفض أن تشارك ألمانيا في غزو العراق. ولكن في مايو/ أيار الماضي عبد شرودر بنفسه طريق ميركل إلى المستشارية حين دعا إلى انتخابات مبكرة، أملا بأن يحصل على تفويض واضح من الناخبين، لكن الانتخابات أسفرت عن نتيجة معقدة من دون حصول أي منهما على تفويض واضح.

"إسرائيل" وإيران وتركيا

ستنشغل الحكومة الألمانية المقبلة بالمشكلات الداخلية في ضوء وجود 5 ملايين عاطل عن العمل وجمود اقتصادي. فماذا عن السياسة الخارجية لألمانيا؟ أبرز المرشحين لمنصب وزير الخارجية، هو وزير الداخلية الحالي الملقب بالشريف الأسود أوتو شيلي، وهو متحيز لـ "إسرائيل"، صنع شهرته في العامين الأخيرين كسياسي يحارب المتطرفين الإسلاميين من دون هوادة. وحين انتخبت إيران رئيسا جديدا انتقد شيلي هذا الاختيار بعدما سبقته واشنطن التي اتهمت الرئيس نجاد بالانتماء للطلبة الذين احتجزوا الرهائن الأميركيين عند احتلال السفارة الأميركية بعد سقوط نظام الشاه. وردت إيران على شيلي مطالبة إياه بالتحرر من أفكار الصهاينة. بالنسبة إلى المستشارة ميركل فإنها قالت في الحملة الانتخابية إنها ستصلح العطب الذي تعرضت له العلاقات بين واشنطن وبرلين بسبب مناهضة شرودر حرب العراق، مع التمسك برفض إرسال جنود إلى العراق. كما ستسعى لتقوية دور بلادها في الاتحاد الأوروبي. موضوع العضوية التركية في الاتحاد الأوروبي لن يكون موضع خلاف بين الجانبين المحافظ والاشتراكي، وخصوصا أن مفاوضات العضوية ستستغرق سنوات طويلة، وبالتأكيد لن تحسم خلال ولاية حكومة ميركل، علما بأنها تعارض انضمام تركيا وتؤيد عقد اتفاق متميز معها. في مارس/ آذار الماضي زار شرودر 7 بلدان عربية وخليجية وأبدى استعداده لتعميق التعاون معها، ولم يسبق لميركل أن زارت دولة عربية. أما فيما يتعلق بنزاع الشرق الأوسط، فلا تعتقد مراجع دبلوماسية عربية هنا أية تغييرات ملفتة للنظر، فألمانيا ستواصل التزامها تجاه "إسرائيل"، وفي الوقت نفسه العمل في إطار الاتحاد الأوروبي لتحقيق السلام بين الفلسطينيين و"إسرائيل" على مبدأ الدولتين. يبقى السؤال الذي لا أحد في برلين يستطيع الإجابة عليه: ماذا سيفعل شرودر؟ المؤكد أنه سيشارك في مفاوضات الائتلاف حتى تشكيل الحكومة الجديدة. ترشحه الشائعات المتداولة في برلين للترشح لمنصب الأمين العام للأمم المتحدة، إذ تنتهي ولاية كوفي عنان الثانية في العام .2007 ما يشكل حجر عثرة في طريق شرودر إلى الأمم المتحدة، إذا صحت الشائعات، خلافه مع جورج بوش عن غزو العراق العام .2003 هل يتصور الأميركان مجيء أمين عام له وجهة نظر ناقدة لسياسة الحروب الوقائية التي تعمل بها إدارة بوش؟

العدد 1134 - الخميس 13 أكتوبر 2005م الموافق 10 رمضان 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً